رغم أن مسيرته المتواصلة منذ أكثر من أربعة عقود في عالم الألوان وخَبرته الطويلة للمعارض ومصافحة المولعين بالفنون البصرية والكاريكاتير إضافة إلى التعاطي مع النقاد، فقد بدا الفنان التشكيلي والكاريكاتوري حسن المشيشي أثناء افتتاح معرضه الأخير «مشيشيات» مساء الأربعاء الماضي في أوج ابتهاجه وألقه وهو يتطلع إلى الحاضرين وإلى اللوحات التي تزين رواق «لوتوس» لصاحبه الفنان التشكيلي سمير الفيتوري المنتصب وسط مركب تجاري بالضاحية الشمالية للعاصمة. افتتاح هذا المعرض الذي يتضمن 54 لوحة ويتواصل إلى غاية 19 من الشهر الجاري حضره السيد عزالدين باش شاوش وزير الثقافة وعدد من الفنانين التشكيليين فضلا عن عدد هام من المولعين بفن الألوان. وعلل الفنان المحتفى به في المعرض اقتصاره على هذا العدد من اللوحات في هذا المعرض رغم أن رصيده زاخر بالأعمال الفنية البصرية والتي تتوزع بين لوحات كاريكاتورية وغيرها من اللوحات الفنية الأخرى على اعتبار أنه راعى في اختيار لوحاته وتحديد عددها طاقة استيعاب الرواق مما جعله يحتار في اختيار اللوحات حريّة بالعرض في هذا الفضاء الأنيق والجميل.
الجمالية والتعبير
جاء هذا المعرض حافلا بالكثير من الأعمال الفنية المتنوعة والثرية من حيث الشكل بكل العناصر الجمالية والمضمون الذي يحيل إلى إيحاءات فكرية تكشف عن جانب من رؤى هذا الفنان للعالم والأشياء مستلهما تعبيراته الفنية في تشكيله لملامح اللحظة الراهنة وقربه من الشارع التونسي خاصة والعربي والعالمي عامة وموقفه ووعيه من بعض المسائل والقضايا الإنسانية. وتجلى ذلك بالأساس في ما تعرضه بعض اللوحات على طريقة حسن المشيشي من صورلبعض نجوم التمثيل والفن والرياضة والسياسيين من تونس ومن العالم فكانت في أغلبها عبارة عن حالات من الميلودرامي المباشر نظرا لما توحي به من نبض وحيوية حتى أنها تكاد تكون أكثر تعبيرية من التصوير المباشر لكل شخصية. هذا فيما يتعلق بالكاريكاتير أما بالنسبة لبقية اللوحات فقد كشفت عن عقلية هندسية استطاع من خلالها الفنان التوليف بين الفن البصري والتجريد الهندسي وهو ما أكده عدد من الفنانين التشكيليين الذين حضروا هذه المناسبة حيث أجمع عدد منهم على أن حسن المشيشي يجنح في أعماله في أحايين كثيرة نحو الزخرفة وفي أحيان أخرى إلى تحميل المضامين التعبيرية. لذلك كثيرا ما تكون أعماله ورؤاه قريبة من المتلقي باختلاف شرائحه العمرية والاجتماعية ومفتوحة لعديد القراءات والأهم من ذلك أنها لا تتطلب إلماما ودراية معرفية لفك رموز اللوحات والمزج بين الألوان. وتجدر الإشارة إلى أنه سبق أن زار معرض «مشيشيات» عديد الأروقة والفضاءات سواء بالعاصمة أو بغيرها من الجهات الأخرى خاصة أن هذا الفنان ورغم ثراء تجربته وما يمتلكه من رصيد هام من اللوحات لم يسبق أن عرض أعماله خارج تونس بعد أن صنفه أهل القرار في القطاع خلال السنوات الماضية ضمن قائمة الفنانين المغضوب عنهم أو من المنسيين حسب ما أكد ذلك حسن المشيشي. أما فيما يتعلق بمجمل الأعمال فيقول هذا الفنان :»كل لوحة تحكي قصة وتحمل وتحيل على جملة من الأحاسيس والرؤى التي عبّرت عنها بطريقتي من خلال مزيج الألوان وعبر تقنية فنية مستلهمة من ذاتي. فكل واحدة كلفتني قدرا كبيرا من المعاناة والتعب الجسدي والفكري المضاعف خاصة أني أخدم بإحساسي فقط تقريبا، نظرا لأني أعاني من نقص حاد في البصر. لذلك تربطني بأعمالي علاقة وطيدة لأني أعتبر هذه الأعمال جزء لا يتجزء من ذاتي وجسدي إلى درجة أني في عديد الأحيان لا أريد أن أعرض بعض اللوحات للبيع حتى لا أفقدها».