سؤال يؤرق بالفعل.. ولعله خامر أذهان كل من حضروا أمس الإعلان عن تأسيس التنسيقية الوطنية المستقلة للعدالة الانتقالية بمقر نقابة الصحفين التونسيين بحضور ممثلين عن 24 من جمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي اتفقت في ما بينها على بعث هذا الهيكل وتركت المجال مفتوحا لمن يريد الالتحاق به بعد الاطلاع على ميثاقها والموافقة عليه. فكرة إنشاء هذه التنسيقية للعدالة الانتقالية ايجابية جدا، فمن يكره أن يجد هيكلا يسد فراغا تركته الدولة والأحزاب طيلة الأشهر التي سبقت انتخابات المجلس التأسيسي ومرت عليه بعض الأحزاب الصغرى والشخصيات المستقلة خلال حملتها مرور الكرام؟ ومن لا يرحب بفكرة بعث هيكل يسهر على إرساء عدالة انتقالية تمنع عودة الدكتاتورية وتحد من ثقافة الإفلات من العقاب؟ ومن لا يتمنى بعث مراكز للإنصات والاستماع لضحايا القمع والتعذيب والانتهاكات بجميع أشكالها بما فيها الاستحواذ على الممتلكات الخاصة داخل الجهات؟ ومن لا يرغب في ان يوضع حد قانوني لما تعرض له التونسيون قبل الثورة وبعدها من تنكيل وتعذيب مادي ومعنوي؟ من منا لا يرغب في تنسيقية تحرص على توفير الظروف الملائمة للانتقال الديمقراطي وتنفيذ العدالة الانتقالية.. تنسيقية تعترف بها الدولة ولا تتدخل في طريقة تسييرها ولا تراقب تقاريرها النهائية ولا تمنع نشرها قبل ان تطلع عليها "الجهات المعنية "، وتوجد قوانين محاسبة ومعايير للشفافية بعد ان اخترق الفساد كل مؤسسات الدولة بلا استثناء؟ وهل تتمكن أطراف التنسيقية الوطنية المستقلة للعدالة الانتقالية اليوم - وبعد تجربة مرة تمثلت في العمل الفردي غير المنسق ولا المنظم طيلة ما بعد الثورة ، بتكتلها هذا وتوحيد جهودها في مواجهة خطرعودة الدكتاتورية - من ضمان محاكمات عادلة وتوفير فرصة للمذنبين في حق الشعب التونسي ليعتذروا ويطلبوا الصفح-، ومن المساهمة في إصلاح مؤسسات الدولة وخاصة منها القضائية والأمنية والسجنية والإعلاميةبوضعها جميعها تحت المجهر؟ إذا تمكنت التنسيقية من كل هذا فهي ستقدر حتما على طي صفحة الماضي بعد ان تكون قد صالحت بين كل مكونات المجتمع المدني محاسبة وإنصافا وردا للاعتبار. ولكن يبقى السؤال المطروح متى يبدأ هذا الماضي. هل ننطلق من 1987 ام من قبل الاستقلال؟.. هل نفتح الدفاتر القديمة ونعيد الاعتبار ونجبر الضرر ونعيد الحقوق لمن ماتوا ونحن لا نعرف مدى حقيقة جرمهم أو أهمية تضحياتهم والسياق السياسي والاجتماعي الذي حصل فيه التنكيل بهم وانتهكت فيه أعراضهم واستبيحت فيه أجسادهم؟ هل نعيد كتابة التاريخ؟