بقلم: كيلاني بن نصر رحل النظام السابق ورحل معه الظلم والإستبداد وجاءت الثورة وتحرر التونسيون ونجحوا بعد تسعة أشهر في إنتخاب المجلس التأسيسي التونسي أول وأهم جهاز شرعي بعد الثورة ، لكن ذلك لا يعني أن الوضع الداخلي على أحسن حال. وتعيش تونس حاليا وضعا مترديا حيث بقيت الجهات المهمشة سابقا دون عناية تذكر وتفاقمت فيها أسباب الفقر وانعدم الأمن أحيانا بسبب غياب السلطة القادرة على الردع ولأسباب مجهولة، وكثر التجاذب بين السياسيين الجدد الذين يعتقدون أنهم شرعيون والقدامى الذين يأسفون على ماض غير بعيد ويعتقدون أن البلاد ضلت الطريق الصواب. ويمكن القول أن الضرر كل الضرر متأت من تقاعص التونسي عن العمل حيث لا تزال مئات الاف التونسيين التابعين للوظيفة العمومية والعملة يؤدون زيارات يومية لإداراتهم للحديث وليس للعمل، ولا يخجلون من التوجه في نهاية كل شهر الى البنك لإستلام رواتبهم. ورغم ما يتردد من أن الثورة نجحت لكنها تعيش أزمات بسبب أعدائها من الداخل فإن الذين يكيدون لتونس فعلا هم دول أجنبية ومنظمات غير دولية تأتمر بها، وهم الذين «ركبوا» فعلا على الثورة وانصاع لهم المسؤولون في تونس، وكان أول خطأ قمنا به هو ترحيبنا المبالغ فيه باللاجئين القادمين من ليبيا وتبعاتهم، حيث فتحت الأبواب على مصراعيها للأجانب الذين أصبحوا يتصرفون بعد 14 جانفي في تونس بحرية أكثر مما لو كانوا في بلدانهم، من ذلك مثلا المنظمات الأجنبية والبعثات الدبلوماسية والملحقيات التجارية والعسكرية الأجنبية التي أطلق لها العنان لتجوب البلاد على مدار الساعة وفي كل الاتجاهات لإعلام مصالحها التي تتولى تقييم الوضع الداخلي لتونس واتخاذ التدابير التي عادة ما تكون لفائدتهم وليست لفائدة هذا الشعب. ومما لا شك فيه أن فتح الأبواب قد يساعد على تسرب بعض عناصر الجريمة المنظمة الدولية، والكل يعلم مدى علاقاتها المباشرة وغير المباشرة بالإرهاب الدولي والتنظيمات المتطرفة وهو ما قد يشكل خطرا على أمن البلاد . ما يريحنا أن المصالح الأمنية التونسية مهنيون وليسوا في حاجة إلى دروس وبنكهم المعلوماتي ثري جدا ولا بد أن يشاركهم المواطنون في اليقظة حتى يستتب الأمن. ويعجب التونسيون من العناية الملفتة للنظر التي أولتها الحكومة المؤقتة لعلاقاتها مع المجلس الإنتقالي الليبي فقد توطدت بسرعة البرق، وما فتئ العالم بأسره يشكك في مصير هذا البلد الشقيق ذلك أن التاريخ يشير الى أنه كان دائما منقسما الى شطرين، فقد كان من الأجدر أن تلتزم تونس الحياد لأن كل الدلائل لا تنبئ بحسم الموقف لفائدة المجلس الإنتقالي ومن مصلحة التونسيين وحتى الليبيين أن لاتتدخل تونس مستقبلا خاصة اذا ما تواصل النزاع في هذا البلد. ويتمنى كل التونسيين حكومة وشعبا أن يستتب الأمن في ليبيا ويتفق الليبيون رغم اختلافاتهم مع حكومة المجلس الإنتقالي لأن عدم اتفاقهم ليس في صالحهم ولا في صالح دول المغرب وخاصة تونس . وفي خصوص العلاقات مع قطر والولايات المتحدةالأمريكية يلاحظ أنها تطورت خاصة بعد 14 جانفي فالثورة قام بها الشعب التونسي دون استشارة أو دعم أي سياسي لا في الداخل ولا في المنفى ولم يستنجد الشعب بأي طرف خارجي والسؤال الذي يطرح نفسه متى كانت دولة قطر والدول البترولية العربية والولايات المتحدةالأمريكية تهتم بتونس وما هي المشاريع التي ساهمت فيها تلك الدول وتبين بعد الثورة أنها مفيدة للشعب? إذا لماذا لم نتريث قليلا فالكل يعلم أن الحكومة وقتية ولا جناح عليها اذا تذرعت بذلك هروبا من المسؤولية فهذه الدول صديقة لتونس لا محالة، لكن مصلحة البلاد في هذا الظرف لا تستوجب كل هذا العنفوان الدبلوماسي الذي جاء على حساب فرنسا وألمانيا وإيطاليا الدول الثلاث التي لها أكثر شراكة في الميدان التجاري مع تونس خلافا للولايات المتحدة وعلى حساب الصين التي بنت السدود وقنوات المياه وعديد المشاريع المفيدة لتونس وعلى حساب إسبانيا وتركيا التي بعثت برؤساء حكوماتها لتقديم النصيحة الصادقة إبان الثورة . يبدو بعد ثورة 14 جانفي أن بعض المسؤولين في تونس وخاصة أصحاب القرار تصرفوا على مستوى ضيق حرصا على سلامة الوطن وقد تكون نيتهم إسعاف الإقتصاد التونسي في شكل قروض بفائدة ضئيلة على المدى الطويل وربما أيضا لتوفيرأسباب النجاح للثورة في تونس، لكن التجارب التي مرت بها الشعوب الأخرى بينت أن دولا أصغر من تونس في ظرف كهذا خرجت من محنها بأخف الاضرار لأنها إنطوت على نفسها وتركت بعض المنافذ مفتوحة حتى لا تختنق ولم تتحالف لا مع الشيطان ولا مع «الملائكة». والجدير بالذكر أن الحراك الدبلوماسي الخارجي كان أيضا على حساب الوقت والعناية بمسائل أكيدة في الداخل وحبذا لو أن الزيارات الى دول أجنبية بعيدة عشرات آلاف الكيلومترات قد امتدت داخل الوطن لتشمل قرى تونسية محرومة ولو حدث ذلك لكان له وقع الماء على الجمر، ولو أن زيارة غدامس تخللتها وقفة ب15 دقيقة في برج الخضراء، التي لا يعرفها أبناء تونس العاصمة، وتمت بالمناسبة قراءة صورة الفاتحة أمام نصب شهداء معركة برج الخضراء، ولا أحد في تونس غير العسكريين يتذكر أن هناك شهداء سقطوا في برج الخضراء، ولا مجال هنا لإطالة التعليق في هذا الموضوع ولكن للاشارة فقط الى القيمة الكبرى التي يسندها المسؤولون في الدول الراقية لرمزية زيارة المناطق المنكوبة ورمزية زيارة المناطق الحدودية النائية. وكانت تونس عرفت بالإعتدال السياسي وبحرية القرار النسبية، حسب ما تقتضيه الحالة، حيث توصف سياستها الخارجية بالواقعية وبالحذرة من القوى الإقتصادية والعسكرية العظمى وذلك بعدم التورط معها حفاظا على إستقلال البلاد وأمنها ولقمة عيش شعبها. وللتذكير فقط فإن تونس في عهد الحماية الفرنسية كانت تأتمر لفرنسا الخاضعة لقوة الإحتلال الالمانية وعاشت بلادنا وقتا مريرا عندما تحولت الى أكبر مسرح عمليات عسكرية في الحرب العالمية الثانية بين قوات المحور التابعة لألمانيا وإيطاليا وقوات الحلف التابعة للولايات المتحدة وبريطانيا العظمى ودول أخرى لكن الحكومة التونسية في ذلك الوقت رغم عدم إستقلالية قرارها وضعفها كانت متزنة ومتبصرة وعملت جاهدة حتى لا تتورط البلاد في أي عمل يؤخر خروج المستعمر الفرنسي من البلاد واذا كانت تونس قد تخلصت من الإستعمار بصعوبة وضحى أهلنا بحياتهم لنعيش نحن في هذه الحرية فإنه من واجبنا أن نحافظ عليها ولا نفرط فيها خاصة اذا وجدنا أنفسنا في مفترق طرق مثل الحالة التي نحن عليها الآن وكان من المفروض ألا تتسرع الحكومية المؤقتة رغم نتائجها الممتازة جدا في عديد المجالات ويأمل التونسيون من الحكومة المؤقتة القادمة تعديل مسار السياسة الخارجية .