لم يعد أمام الرئيس السوري بشار الأسد من خيار سوى التنحي عن سدة الحكم، بعد انسداد جميع الحلول وتضييق الخناق على نظامه جراء إمعان ترسانته العسكرية في تقتيل شعب أعزل لم يقترف ذنبا في حق بلده سوى أنه طالب بحياة كريمة تقطع مع الاضطهاد والاستبداد. بل إن هذا الشعب السوري، الذي قدم الغالي والنفيس من دماء شهدائه الذين يحصون بالآلاف، لم يتوان عن منح الفرص، الواحدة تلو الأخرى لنظام الاسد من أجل القيام بإصلاحات لكنها قوبلت جميعها بمزيد القصف المدفعي وإطلاق الرصاص الحي الذي يودى يوميا بحياة العشرات شيبا وشبابا بمن فيهم الاطفال والذين لم يحل صغر سنهم دون أن يكونوا في مرمى النيران، هذا بالإضافة الى حملات الاعتقال والمداهمات الوحشية لبث الرعب في نفوس المتساكنين وتهجير الآلاف من بيوتهم. في ظل هذه الحملة الشرسة المتواصلة الى حد الساعة، لم يعد هناك سبيل آخر لوقف انتفاضة الشعب السوري سوى تنحي بشار الاسد، الذي فقد شرعيته تماما عن الحكم. ولعل الضغوط الخارجية التي سلطت على الاسد لا تقل أهمية عن الضغوط الداخلية المسلطة عليه من شعبه. فالخناق بات شديد الضيق على نظامه خاصة بعد التصريحات شديدة اللهجة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والدعوة الصريحة من جانب الملك الاردني عبد الله الثاني إلى تنحيه وهي الاولى من نوعها من زعيم عربي، ناهيك عن تصعيد العقوبات الأوروبية والتي شملت إضافة أسماء 18 شخصية إلى لائحة الأشخاص المعنية بحظر السفر وتجميد الأرصدة ليصبح عددها الاجمالي 74 شخصية. بل إنه حتى إيران التي تعتبر من الدول الحليفة لسوريا في المنطقة أيقنت مؤخرا أن نظام الأسد بات في مهب رياح التغيير التي عصفت بأعتى الأنظمة العربية، وبدأت تعيد ترتيب أوراقها من خلال الدخول في مفاوضات سرية ومباشرة مع المعارضة السورية لعلها تجد من يدعمها ويحمي مصالحها في ظل الضغوطات الدولية المسلطة عليها جراء برنامجها النووي... والقائمة لا تزال مفتوحة فموسكو ستلتحق عاجلا لا آجلا بركب المجتمع الدولي الذي نادى بضرورة تنحي الأسد، ولعل استضافتها الاولى لوفد من المعارضة السورية أول أمس خطوة أولى تمهيدية في ذلك الاتجاه. إن نظام الأسد لم يعتبر من الدروس الثلاثة التي لقنها الربيع العربي لأكثر الأنظمة العربية استبدادا وفسادا ابتداء من تونس وصولا الى ليبيا واللائحة لازالت مفتوحة. فالحل الأمني القمعي الذي انتهج من قبل هذه الأنظمة التي أصبحت طي الماضي لم يجد نفعا.. ولن يؤتي أكله أيضا في سوريا. لقد بات تنحي الأسد أمرا مفروغا منه لدى الشعب السوري والمجتمع الدولي بصورة عامة، لكن يبقى السؤال المطروح: هل سيتدارك الأسد الموقف لكي لا يلاقي نفس مصير سابقيه، هل يقبل بتنحيه عن الحكم مقابل عدم ملاحقته قضائيا أوالتنكيل به كما حدث مع القذافي؟