أجل.. أيها الشاعر العملاق.. أجل.. أيها الرمز الشعري والأدبي الكبير في تاريخ الأدب التونسي المعاصر.. أنت اليوم - فقط - رحلت ولكنك أبدا لن تموت... لن تموت لأنك باق ما بقي الجريد والنخيل.. باق ما بقي الشعر.. نحن نصدقك - يا سيدي - وأنت تصرخ «لن أموت»... نصدقك و»نكذب» موتك المعلن لأننا ما عهدناك الا انسانا تحب الشعر والأطفال والحياة... فكيف لمن كان هذا عشقه أن يقال عنه أنه «مات»... ولكن الاشكال «يا شيخ» (وهو الاسم الذي تحب أن يناديك به مريدوك) أننا نكاد نصدق اليوم أنك غادرتنا وأنه لا بد لنا أن نقول «شيئا» في هذا الطارئ... فأشر علينا - أعزك الله - بأحسن ما يمكن أن يقال في هذا المعنى... فما نحن الا أطفالا في حضرتك نخاف ان نحن تجاسرنا على قامتك الشعرية الوارفة الظلال -شعرية وبلاغة وعروبة وأصالة - وحاولنا أن نكتب فيها وعنها كلمات ما نخاف أن نكون بذلك قد ارتكبنا حماقة في حق روحك والشعر... فبحق روحك الطاهرة المؤمنة - يا سيدي - وبحق شعرك ( قصائد ورباعيات ) وبحق ما كتبت من أدب للطفل والناشئة وبحق تونس التي أحببت... تونس التي عشقت... بحق النخل والزيتون والرمان... بحق كل خرافة للأطفال جميلة ضمها ديوان الأدب الشعبي التونسي وأحلت عليها في دراساتك لهذا الموروث الأدبي التونسي ( نثرا وشعرا )... بحق كل هذا وغيره أسألك اليوم - وهذا طلب شخصي - أن تؤجل رحيلك هذا لأنني أريد أن أحدثك عما فعله بعض الشعراء بمقولة «النضالية»... بعض هؤلاء - ياشيخ - توهم أنه بالصراخ ورفع الشعارات والايديولوجيا يمكن لهم أن يصبحوا كبارا - شعريا- فراحوا - ما دام الواقع واقع ثورة -»يسردكون»- وهذه احدى عباراتك المأثورة - بل منهم من نصب نفسه «ناطقا باسم الثورة»... أي والله - وهو الأمر الذي لم يدعه حتى أبو القاسم الشابي نفسه صاحب «اذا الشعب يوما أراد الحياة» - البيت الذي قامت عليه هذه الثورات التي زلزلت - ولا تزال - عروش المستبدين والجهلة واللصوص من الحكام العرب في المشرق والمغرب... أمر آخر يا «شيخ» - بل قل طلب آخر شخصي - أريد أن أستسمحك قبل أن تغيب في أن أقرأ عليك بصوتي - وأنا ابنك وأحد مريديك غير المعلنين - واحدة من رباعياتك التي أحببت وحفظت عن ظهر قلب... أقرأها عليك وقل لي ما اذا كانت قراءتي لها توحي بأنني هضمت معناها الصوفي الوجودي العميق أم أنني «ببغاء» ليس الا.. قلت مهلا للعمر قال وانه /ذهب العمر بين دمع وأنه لو تفيد المنى لجئنا بها /في طبق الحب بين شدو ورنه غير أن المنى كطيف خيال /تترك العمر وهو يقرع سنه ضمها فهي دفء أيامنا /وامض وخل الزمان يفرغ دنه