أوقعت أعمال العنف في نيجيريا والتي تفجرت منذ الأحد الماضي، نحو 400 قتيل وعشرات الجرحى في صدامات طائفية بين مسيحيين ومسلمين. وقد أعادت هذه الصدامات وضع المسلمين في نيجيريا الى واجهة الأحداث. وتعد نيجيريا أكبر دولة افريقية من حيث عدد السكان المقدّر عددهم بحوالي 140 مليون نسمة، تقول بعض التقديرات إن غالبيتهم مسلمون وإن معظم الولايات تطبق الشريعة الاسلامية خاصة منها ولايات الشمال. وتقول هيئات إسلامية إن الرئيس السابق أولسيغون أوباسانغو سعى الى قلب المعادلة وتغيير التركيبة السكانية في نيجيريا. وتشير التقديرات الى أنه قتل في السنوات الاولى من حكمه (1999 2003) حوالي 10 آلاف شخص غالبيتهم من المسلمين في إطار تغيير صفة الاغلبية المسلمة الى أغلبية مسيحية. ولم تكن الاحداث الدموية الاخيرة الاولى من نوعها، فقد شهدت البلاد على مدى السنوات الماضية صدامات أعنف وأشد، فيما لاتزال أسباب اندلاعها قائمة. ورغم بسط الجيش النيجيري نفوذه على مناطق الصراع وتهدئة الوضع، فإنه لا يبدو أن لهذا الصراع نهاية. ففي كل عام يفيق العالم على فجيعة جديدة، لكنه لا يحرك ساكنا لوقف النزيف المستمر. وحسب ما هو معلن اندلعت المواجهات بين المسيحيين والمسلمين بعد أن قرر المسلمون إعادة بناء منازل كانت الميليشيات المسيحية دمرتها في السنة الماضية، لكن محللين، أوضحوا أن الامور أكبر مما هو معلن، فثمة شخصيات سياسية متنفذة تعمل في الخفاء على اشعال الفتنة وجعل المناطق ذات الأغلبية المسلمة مناطق قلاقل وصدامات تتجدد كلما استدعت الضرورة ذلك. الاسلام في نيجيريا تدفق المسلمون على نيجيريا منذ القرن ال 12 ميلاديا قادمين اليها من دول شمال افريقيا متتبعين القوافل التجارية المسافرة عبر الصحراء. واستقر المقام بعدد كبير من علماء المسلمين في شمال البلاد حاملين معهم الثقافة الاسلامية وخلال القرون اللاحقة كان هناك صراع اسفر في النهاية عن تقوية وجود الدين الاسلامي في تلك المنطقة وفي القرن ال 19 شن الزعماء الاسلاميون في تلك المنطقة مثل عثمان دان فوديو، معارك من أجل ايجاد خليفة للمسلمين في سوكوتو وبورنو وغيرهما في المنطقة التي تعرف الآن بشمال نيجيريا وعندما وصل البريطانيون الى شمال نيجيريا في القرن ال 19 في البداية كتجار ثم كمحتلين سمحوا للحكام الاسلاميين بمواصلة مزاولة حكمهم للمناطق التي يسيطرون عليها وربما يفسر التاريخ قوة وجود الاسلام في شمال نيجيريا وكيف يتقبل سكان تلك المنطقة تطبيق الشريعة الاسلامية كأساس للقانون .. فالسرقة عقابها قطع اليد والزنا عقابه الرجم والجلد لشاربي الخمور. اما سكان تلك المنطقة من غير المسلمين فلا تطبق عليهم تلك الاحكام بل يخضعون للقانون الفيدرالي لنيجيريا وبرغم الاختلاف الديني والقضايا المتعلقة به الا ان الجميع يؤكد ان الدين ليس القضية الأساسية التي تحسم في العادة نتيجة الانتخابات المحلية والرئاسية. ويرى مراقبون للشأن النيجيري ان الرئيس السابق أوباسنغو هو من عزز الصراع الطائفي بعدم التعجيل بتدخل الجيش لوقف الميليشيات المسيحية. وتتركز أعمال العنف حاليا في منطقة غوس عاصمة ولاية بلاتوه حيث يمثل المسلمون والمسيحيون نصف السكان فيها. وتشير احصائيات الى أنه يوجد في نيجيريا أكثر من 200 جماعة عرقية تعيش في سلام جنبا الى جنب رغم ما خلفته الحرب الأهلية فيما بين 1967 و1970 من آثار خطيرة. ومنذ انتهاء النظام العسكري عام 1999 قدرت منظمات حقوقية عدد ضحايا العنف الطائفي بنحو 13500 قتيل، لكن المسؤولين عن تلك الجرائم لم يلقوا أي عقاب. وتتهم المنظمات الدولية الحكومة النيجيرية بالتغطية على جرائم عدد من مسؤوليها. ولم يتضح ما إذا كان الرئيس النيجيري الحالي عمر يار أدوا والذي يخضع للعلاج في السعودية على علم بتجدد أعمال العنف الطائفي أم لا لكن نائب الرئيس الفيدرالي غودلوك جوناثان شدد على أن الحكومة لن تتساهل مع مثيري أعمال الشغب لأن هذا الأمر يهدد وحدة البلاد واستقرارها. وفي ظل الأزمة الراهنة يشير علماء مسلمون في نيجيريا بأصابع الاتهام الى الكيان الصهيوني بالوقوف وراء تغذية أعمال العنف الطائفي بتمويل الميليشيات المسيحية، وهي معلومات لا يمكن تأكيدها ولا نفي صحتها. وفي سياق الصراعات الدائرة أكانت تتعلق بالصراعات الطائفية أو بصراعات النفوذ، وجب الاشارة الى ظهور جماعة اسلامية مسلحة تطلق على نفسها اسم «بوكو حرام» تشبهها السلطات النيجيرية بحركة «طالبان» الأفغانية وقد قادت هذه الجماعة في شهر جويلية الماضي تمردا على الحكومة في ولاية «بورنو» المجاورة لمنطقة «غوس».