قبل عشرة أشهر فوجئ العالم بصوت مارد يخترق حظرالتجول المفروض على تونس ليكسر الصمت ويعلن هروب بن علي وهو يردد "يا توانسة بن علي هرب..." قبل حتى تأكيد الخبر رسميا ليتحول ذلك الصوت لاحقا إلى رمز لشجاعة شعب تونس الذي مهد لاندلاع "تسونامي" التغيير في العالم العربي. ولاشك أن ماحدث بالامس في قصر اليمامة الملكي بالرياض بعد قبول الرئيس اليمني علي عبد الله صالح المبادرة الخليجية كان تكرارا لسيناريو هروب بن علي، مع اضافة بعض العناصر التجميلية التي فرضها الموقف... إلى نيويورك ينتقل علي عبد الله صالح لمواصلة رحلة العلاج التي كان بدأها في الرياض بعد تعرضه لهجوم استهدفه في مقر إقامته والأرجح أن اقامته بالولايات المتحدة سوف لن تطول كثيرا وسيجد له الحليف الامريكي - تجنبا لكثير من الاحراجات - مكانا آخر يستقر فيه بعيدا عن أعين المتطفلين والاعلاميين. صحيح أن صالح، وهو الذي يؤكد مجددا قدرته على المناورة والمماطلة والمراوغة - قد نجح حتى الآن في تجنب مصير مماثل لنظيره المصري الذي يقبع بالسجن في انتظار استئناف محاكمته مع ابنيه، وصحيح أيضا أنه ضمن بتوقيعه على المبادرة الخليجية نهاية كتلك التي آل اليها العقيد الليبي الذي ظل على مدى أشهر يستنزف دماء أبناء شعبه ويكابر رافضا الاستماع لكل الاصوات التي طالبت برحيله وتجنيب البلاد والعباد المزيد من الخراب و الدمار، وصحيح أيضا أنه قد يكون وفر لنفسه ولأهله الحصانة المطلوبة من المساءلة والمحاسبة بعد أكثر من ثلاثة عقود قضاها في السلطة، ولكنه مع كل ما يمكن أن يتحقق له من أسباب الحصانة غير المشروعة فانه لا يمكن للتاريخ الا أن ينبذه و يسجل أن نهايته لم تكن بأفضل من نهاية بقية الطغاة الذين سبقوه الى نهاياتهم طوال الاشهر القليلة الماضية وسيكتب اليمنيون أنه رابع حاكم عربي يسقط بفعل الغضب الشعبي . و برغم الاطار الفاخر الذي رافق توقيع صالح على المبادرة الخليجية التي رفضها أكثر من مرة ليدفع اراديا الشارع اليمني الى مواصلة مظاهراته الاحتجاجية التي ظلت قوات صالح تواجهها بالحديد والنار، وبرغم مختلف ردود الفعل الدولية المرحبة بهذا القرار فانه لا يمكن للرئيس اليمني الهارب اخفاء الحقيقة او طمسها. ويكفي أنه في نفس اليوم الذي انتهى فيه عبد الله صالح من توقيع المبادرة سجل الشارع اليمني سقوط المزيد من القتلى والجرحى وهو ما يعني بكل بساطة أن رحيل صالح لا يعني بالضرورة رحيل النظام الذي أثث له على أسس عشائرية وجعل لأبنائه و قبيلته الموقع الاقوى فيه على مدى ثلاثة عقود أن يرحل معه... لقد أبى صالح أن يتخلص من عقلية الحاكم المستبد ويتخلى عن تلك العقدة المترسخة لديه بأن بقاء الشعوب مرتبط ببقائه وأن أمن الاوطان لا يتحقق الا بوجوده واستمراره، وبذلك اختار أن يكون في صف نظرائه الذين سبقوه الى نهايته خارج التاريخ، فنجح في الفوز بحصانة غيرمشروعة ولكنه فشل في اختبار الوطنية التي لا يمكن ان تحدد في شعار يرفع أو خطاب يردد ولا أن تكون بضاعة تقتنى في الاسواق والمزادات. ..."بن علي هرب... وصالح هرب... والقائمة قد تطول بعد أن بلغ الشارع العربي نقطة اللاعودة.. آسيا العتروس