"مازال هناك فساد ورشوة في تونس بعد الثورة لكن بدرجة أقل".. هذا ما قاله الأستاذ عبد الفتاح عمر رئيس اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة أمس في منتدى الثورة المنتظم بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات التي يديرها المؤرخ عبد الجليل التميمي.. وفسر أن إنشاء اللجنة كان رسالة موجهة للجميع وهو ما حد بصورة هامة من الرشوة والفساد.. إلا أن الادعاء بأن الرشوة والفساد زالا بصفة نهائية من تونس بعد الثورة فهذا حديث سابق لأوانه إذ مازالت بعض الأفعال والحالات التي تدل على تواصلهما الأمر الذي يستوجب مواصلة مكافحتهما بأليات ضرورية ودائمة. وبين الأستاذ عبد الفتاح عمر أن عدد الملفات الواردة على اللجنة بلغ نحو 10 آلاف و304 عرائض.. لكن هناك من بينها ملفات لا تمت بأية صلة للرشوة والفساد على غرار المطالبة بمساكن أو بشغل.. وهناك ملفات لا يمكن للجنة النظر فيها لأن القضاء تعهد بها أو نظر فيها أو أصدر أحكامه.. إلا إذا قدّم المتظلم مؤيدات ثابتة تدلّ على أن القضية لم تأخذ مجراها الطبيعي وتحيط بها شبهة. وذكر أن هناك نوعية أخرى من الملفات وهي تلك الواردة من الإدارة، إذ أحالت عدة وزارات ملفات دقيقة وثابتة على غرار وزارات الفلاحة والدفاع الوطني والنقل.. وهناك أيضا الوثائق والملفات التي حصلت عليها اللجنة بنفسها وهي متأتية من أرشيف رئاسة الجمهورية.. ولم تكن هذه الأرشيفات دائما مرتبة، الأمر الذي جعل عمل اللجنة صعبا للغاية وبذلك لم يقع استغلال ارشيف الرئاسة استغلالا تاما.
الحكم الكلياني
وتبين من خلال هذه الوثائق أن الرئيس كان ينظر في كل شيء ويؤشر على كل وثيقة بخط اليد سواء تعلق الأمر بعقود إدارية أو تكوين شركات أو إسناد لزمات خاصة وغيرها من الأمور البسيطة جدا.. فالحكم في تونس على حد تعبيره :"لم يكن دكتاتوريا بل كان كليانيا.. أي أنه حكم يسمح بتدخل الحاكم في كل الشؤون العامة والخاصة.. وهو حكم غنيمة.. ولم تتوفر مقابل هذا الحكم وسائل للعدل والرقابة الا الوسائل الشكلية الفاقدة للنجاعة" . لذلك فإن من أوكد الأولويات في تونس اليوم اقامة حكم يخضع للعدل الحقيقي ولوسائل المراقبة ولا يسمح بإدماج الاختصاصات لفائدة الاشخاص او حتى لفائدة البرلمان وتقتضي مراقبة الحكم سلطا اخرى تحد منه الى جانب إرساء قيم المساءلة والتبرير.. ونظرت اللجنة إلى حد امس الأول في 5464 ملفا واحالت 335 ملفا على القضاء الذي فتح تحقيقا في أغلبها وهي ملفات خطيرة تدل على شبهات متأكدة وتتعلق بقطاعات حساسة وأشخاص لهم مسؤولية كبيرة في الدولة.. وعن سؤال يتعلق بالأسباب التي دعت اللجنة الى الاسراع في نشر تقرير تضمن معطيات تمس من سمعة العديد من الناس قبل ان تثبت التهم عليهم.. اجاب الجامعي ان النص المحدث للجنة أكد على أن هذه اللجنة مدعوة لرفع تقريرها لرئيس الجمهورية ونشره لذلك من يريد الطعن في ما ورد في التقرير فيمكنه اللجوء للقضاء..
التحسيس والتربية
وأضاف الأستاذ عبد الفتاح عمر:"للحد من الفساد والرشوة أعددنا مرسوما نشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية يوم 18 نوفمبر الجاري ويتعلق بوضع استراتيجية متكاملة لمكافحة الرشوة والفساد في المستقبل تقوم على التوعية والتحسيس والتربية قصد احتواء الظاهرة, إضافة الى انشاء هيئة وطنية قارة ومستقلة لمكافحة الفساد تضم جهازا للتقصي ومجلسا يتكون من عدد من ممثلي هيئات الرقابة والتفقد وعدد من ممثلي المجتمع المدني ومن ممثلي الإعلام وقضاة". كما اقترحت اللجنة التي يبلغ عدد أعضائها 25 شخصا مشروع مرسوم آخر يتعلق بالتبليغ والتعويض لكن لم تقع المصادقة عليه.. وأكد الأستاذ عبد الفتاح عمر أن تونس كانت ضحية لمنظومة كاملة من الرشوة والفساد تبدأ بالرئيس وزوجته وعائلته وأصهاره في دائرة أولى، ثم يأتي الساسة في دائرة ثانية، فمؤسسات الدولة والمنشآت العمومية ودوائر هامة من المجتمع في دائرة ثالثة.. وقال :" المواطنون سواسية في القانون، لكن هناك من كان يتمتع بحقوق أكبر في الوصول الى اللزمات والعقود وحتى التوجيه الجامعي الذي يريد فهم لا يعترفون بالشرعية ولا بالمشروعية وهدفهم أخذ ما أمكن أخذه واستعمال كل الوسائل للوصول إلى ما يريدونه.. والويل كل الويل لمن ليست له وسائل لبلوغ غايته.. وحتى ان وصل فذلك من باب تكرّم يد عليا على يد سفلى". وفي تعريفه لصبغة اللجنة بين عبد الفتاح عمر أن اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة هي لجنة مستقلة ومحايدة لكنها لا تتمتع بحق القرار, وحق الفصل لأن هذا الاختصاص هو اختصاص القضاء دون سواه.. وتعمل اللجنة في إطار الدولة التونسية بهدف خدمة الصالح العام.. وتندرج أعمالها في إطار العدالة الانتقالية بمعنى التحول من وضعية غير مرضية الى وضعية أخرى منصفة وقد يكون لها دور في العدالة الانتقالية لكن العدالة الانتقالية لا تقتصر عليها لأنها تقوم ضرورة على الاعلام المباشر بما حصل وما يراد القيام به لكن اللجنة محكوم عليهما بالسرية قانونا. وعن سؤال يتعلق بالتقرير الصادر عن اللجنة الذي نفدت نسخه اجاب انه سيعاد طبعه مرة اخرى وقال ان التقرير موضوع على شبكة الانترنيت بهدف اطلاع الناس عليه. وعن سؤال آخر حول تداعيات زيارة اللجنة لقصر سيدي الظريف على الشعب أجاب أن ما تم اكتشافه من أموال ومجوهرات كان رجّة للجميع.. وكانت الزيارة مفيدة جدا لأنه كان من حق الشعب التونسي ان يطلع على ما تم اكتشافه. ولاحظ أن الاموال التي تم العثور عليها في ذلك القصر على أهميتها لم تكف لتغطية نصف مبلغ الزيادة في الأجور.