احتضن فضاء عين بالعاصمة يوم الجمعة الماضي لوحات فنية بلغت عشرين عملا من الأحجام المتوسطة والصغيرة للفنان التشكيلي مختار هنان.. هذا المبدع الذي يعد من بين رسامي جيل الستينات، تعلم الفنون الجميلة في آخر المدارس الفرنسية الموجودة آنذاك على يدي برجول Bergol وروبار او Robert Hu.. حيث كانت الفنون الجميلة تحظى بعناية فائقة وتدرس على أسس متينة.. الى أن ظهر الاتجاه التأصيلي لمعارضة التيار المرتبط بالاتجاهات التجريدية التي تم اعتبارها منكمشة على الذات... بل رأى فنان الستينات انه يجب ان يعكس القيم الجماعية بصورة من الصور لأنه أمر في غاية الأهمية لتأصيل هويتنا والمحافظة على تراثنا.. تفاصيل بينها كل من مختار هنان ومحمد العايب صاحب فضاء عين ل»الصباح» وهو ما تأكد لنا إثر تأمل اللوحات التي توحي لك بكأنك تتجول في أزقة باب سيدي عبد السلام أو باب سويقة وكل ما يهم هندسة ومعمار المدينة العتيقة سواء في تونس العاصمة أو مدينة بنزرت (مختار هنان أصيل هذه المنطقة).. أما الألوان التي استعملها الرسام فهي مائية وزيتية أضفت على لوحاته الفنية توقا إلى الماضي وحنينا إلى كل ما يدور داخل «الربط العربي» ولا يزال.. إلى الجدران المتداعية وما يحوم حولها من نشاط وحيوية سكان الأحياء العتيقة في حياتهم اليومية.. ويعمد مختار هنان في تعامله مع الواقع الى التلاعب بالضوء بلمسات عريضة في درجات لونية خافتة، تستلهم رؤى فنية متعددة ودلالات وايحاءات معمقة، وتسائل التراث التونسي ضمن توجه تحديثي.. هكذا وبعيدا عن الموقف الذاتي والرؤية الفردية، واصل مختار هنان تبنيه الاتجاه التأصيلي واهتمامه بالواقع الاجتماعي التونسي.. كما تجدر الإشارة إلى أن هذا الرسام، كأنه من خلال أعماله الفنية يجسد قراءة خاصة لحماية التراث والمدن العتيقة نظرا للإهمال الدي شهدته لمدة عقود وما آل اليه حال سكان هذه الأحياء من ظروف معيشية صعبة أمام تداعي الأبنية وتراكم الأوساخ في كل مكان في وقت من المفروض ان تكون فيه هذه الأمكنة منارة للبلاد وانعكاسا لوجهها الحضاري.