مما لا يختلف فيه عاقلان هو أن الوضع الاقتصادي والحركية الاقتصادية لا نحسد عليها لكن هذا الأمر يتطلب الحلول الآجلة والعاجلة خاصة أن هذا التراجع في الحركية يقابله ضعف المقدرة الشرائية وغلاء مشط في أسعار عديد المواد.. في الوقت الذي ساهمت فيه الثورة في معالجة نسبة كبيرة من التونسيين من أمراضهم النفسية إثرالتخلص من النظام الاستبدادي ها إن لغة الأرقام تؤكد أن تواصل عدم وضوح الرؤية والضبابية السياسية قد أفضى الى نتائج سلبية وجعل نسبة المصابين بالأمراض النفسية تقفزإلى نسبة 90 بالمائة ؛ وهو ما اعتبره عديد المختصين النفسيين نتيجة منطقية للتقلبات السياسية التي شهدتها البلاد . وتبعا لذلك ظهرت حالات من الاضطرابات النفسية تمثلت أعراضها أساسا في القلق و»الستراس» واضطرابات النوم والتخيلات والإحباط أحيانا . وشدد المختص النفسي عماد الرقيق على أن الأمراض النفسية ازدادت أكثر في الأشهرالأخيرة من جراء عدم وضوح الرؤية والضبابية التي مازالت تسيطر على المشهد السياسي . وأضاف أن نسبة اضطرابات الصحة النفسية قفزت من 52 بالمائة في عهد الرئيس المخلوع إلى 90 بالمائة في الفترة الأخيرة باعتبارأن السلطة ضرورية كعلامة في لا وعي الشخص واللاوعي الجماعي . وشبه هذه الضبابية إن لم نقل الفراغ بغياب الأب بالنسبة للفرد وهو ما من شأنه أن يؤثر على سلوكه وتصرفاته عموما . فالمهم بالنسبة لجميع أفراد المجتمع هو توضح الرؤية بشأن الحكومة الجديدة بما يعيد الاستقرارللصحة النفسية للفرد ويعدل تصرفاته في ظل الخوف من المجهول . اكتئاب وتخيلات ذهنية وحول نوعية الأمراض النفسية التي أفرزتها هذه الضبابية كشف الرقيق أن نسبه هامة من التونسيين أصبحوا يعانون من الاكتئاب بشكل يصبح فيه الفرد يميل الى الحزن مع عدم رغبته في العمل واضطرابات النوم وما يمكن أن تسببه من آثار جانبية . ويتمثل المرض النفسي الثاني في القلق الذي تتلخص أعراضه في ضيق النفس وتسارع دقات القلب بشكل متواصل إضافة إلى شعور بالدوران و «دوخة» تجعل مزاجه متقلبا؛ ويمكن أن تؤدي هذه الضبابية إلى مرض نفسي ثالث وهونوع من الهذيان وتخيلات ذهنية حيث يشعرالفرد باستمراربعدم الأمان من خلال الخوف من مصدر مجهول قد يهدد حياته. وخلص محدثنا إلى التأكيد على أن توضح المشهد السياسي وإعلان تركيبة الحكومة الجديدة من شأنه أن يعيد الطمأنينة إلى الكثير من النفوس التي تعيش منذ فترة في حيرة وقلق . تردد وتذبذب من جانبها أوضحت المختصة النفسية مريم صمود أن الإنسان بطبعه لا يمكن أن يتعايش مع عدم الوضوح الذي يربك حياته ويكبله ويجعله يعاني من التردد و «البهتة» . وتابعت قائلة :»للأسف أن حالة الضبابية طالت أكثر من اللزوم وكلما ازدادت أكثرصارت آثارها سلبية من الناحية النفسية . المشكلة أن المجتمع التونسي علق آمالا عريضة على الثورة التونسية وكبرت أحلامه ولكن مع مرورالوقت صارمتخوفا من عديد المسائل ليتحول الأمربالنسبة إلى بعض الأشخاص إلى إحباط .» كما دعمت مريم صمود كلام زميلها عماد الرقيق بالتأكيد على أن نسبة الذين يعانون من الأمراض النفسية سجلت ارتفاعا مذهلا في الأشهرالأخيرة لأن مئات الأشخاص كانوا مهيئين للإصابة ببعض أنواع الأمراض النفسية وساهمت للأسف هذه الضبابية في معاناتهم النفسية . وأوضحت أن أغلب المرضى يعانون إما من القلق النفسي أوالاكتئاب بل إن البعض يصبح يعاني من التذبذب ولا يعرف ماذا يعمل تحديدا وهو ما يمكن ملاحظته على تصرفات بعض الأفراد بسهولة . بل إنه يمكن أن تؤدي إلى تراجع المردود في العمل مما ينعكس على الاقتصاد بشكل عام ؛ كما أن هذه الضبابية أفضت إلى عزوف الكثيرين عن الأنشطة السياسية ليتحاشى حتى مجرد متابعتها عبرالبرامج التلفزية . أرقام مفزعة وكانت دراسة سابقة أعدتها الدكتورتان سعيدة الدوكي وماجدة شعورخلال سنة 2005 بتمويل من منظمة الصحة العالمية ووزارة والصحة العمومية ومنع النظام البائد نشرنتائجها ولم تعرف طريقها إلى النورإلا بعد الثورة اثبتت أن نصف التونسيين يعانون من اضطرابات نفسية من بينهم 37 بالمائة مصابون بالاكتئاب النفسي والقلق . لكن هذه الأرقام تضاعفت بعد الثورة لتبلغ نسبة 90 بالمائة وهو ما يعني أن 9 ملايين من جملة 10 ملايين تونسي يعانون من أمراض نفسية مختلفة. ورغم أن وحدة النهوض بالأمراض النفسية قد نظمت أكثر من ملتقى بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والجمعية التونسية للطب النفسي حول الصحة النفسية في تونس وطب النفس والأمراض النفسية فإن هذه الأطراف المتداخلة مازال ينتظرمنها الكثيرفي سبيل التوعية بالتأثيرات السلبية للأمراض النفسية خاصة في ظل رفض الكثيرين لزيارة العيادات النفسية لربطهم بينها وبين الجنون وعدم التوازن العقلي وهواعتقاد خاطئ ينبغي محاربته من خلال التوعية والتحسيس .