بقلم :الطيب الورايري كان ذلك سنة 1985 عندما كان الاتحاد العام التونسي للشغل ومعه البلاد في قلب العاصفة... وقتها قارن الزعيم الحبيب عاشور التعسف الذي تمارسه السلطة بأنه أبشع من ممارسات حكومات الميز العنصري ...وقد أثارت تلكم التصريحات التي وردت في جو مشحون غضبا حكومة مزالي التي احالت الأمين العام الى المحاكم التي أدانته وهو الذي تجاوز عقده السابع و أرسلت به الى سجن برج الرومي الا أن ما علق بالذهن يؤمئذ هو جواب الحبيب عاشور لصحفي أجنبي عن موقفه من محاكمته المنتظرة حيث قال أنا مؤمن بالقضاء التونسي... قالها وهو يدرك جيدا أن القضاء وقتها كان يعاني من التدخل في شؤونه ...تذكرت هدا الموقف وأنا اتابع ردود الفعل على الساحة الاجتماعية والسياسية حول قرار منع السفر الذي آتخد في حق السيد عبد السلام جراد الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل على خلفية قضايا تتعلق بالفساد وأعتقد أن ردود الفعل أساءت للمنظمة أكثر مما أبرزت تضامنا تقابيا... للاتحاد تاريخ مع المحاكمات وكان في أغلبها في موقع الضحية ولكن لم يحدث أن تحدّى النقابيون القضاء بهذه الطريقة... والمؤسف أن النقابيينن كانوا دوما ينادون باحترام أخلاقيات النضال النقابي ولكن كانت اصواتهم في الغالب بلا صدى وكان قدر الاتحاد أن ينتظر زلزالا ليكتشف حجم الانحدار... بسط الامين العام السابق السيد اسماعيل السحباني نفوذه المطلق على المنظمة لفترة جاوزت العقد من الزمن وقد كان من مظاهر النفوذ والشخصنة أن يتم اقتراح انتخابه مباشرة من المؤتمر برفع الأيدي وهي الظاهرة التي تصبح مهزلة عندما نجد أن الأمين العام أصبح مطلوبا للقضاء بعد عام ونيف من موتمر 1999 ...وقتها تم التسويق الى أن الفساد اقتصر على الرأس و أن عملية جراحية كفيلة بازاحة المرض واصلاح الجسد وانطلق القياديون يبشرون بالتصحيح ولا صوت يعلو على صوت التصحيح ... وصدّق الكثير تلك النوايا وقتها كان للسيد محمد الطاهر الشايب رأيا صادما وهو الذي عرف عنه معارضته القوية للسحباني حيث قال ردا على سؤال احدى الفضائيات :كان المفروض ان لا يساءل السحباني لوحده ولكن أن تحاسب القيادة التي عملت معه دون أن يستثني نفسه رغم أنه كان وقتها خارج القيادة التي تخلّصت من أمينها العام وحمّلته وحده وزر الانحراف بالمنظمة النقابية ...ولا يزال هدا الغسيل ينشر الى اليوم ...ما الذي يمكن أن يخلفه هذا السلوك لدى العمال الذين كانوا يشجبونه سواء أكان ذلك بصوت خافت أو في اطار تحرّك جماعي ?سيظل هاجس تحصين الاتحاد من كل اشكال الزيغ حاضرا لدى النقابيين في كل محطات نظالهم حتى يؤسسوا لشروط الحوكمة الرشيدة التي طالما ناضلوا من أجل أن يدين بها كل من تصدى للشأن العام... في خضم هذا السّجال تطرح مسألة استقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل ويطرحها قياديون لا يجدون حرجا في اعلان انتمائهم الحزبي على الملأ ...ويدرك المتابع للشأن النقابي أن هذه القضية كانت قد طرحت بعنف اواخر السبعينيات وجسّدها الزعيم عاشور باستقالته في ذلك العهد من قيادة الحزب الحاكم ثم عمّق النقابيون هذا المنزع بأن اشترطوا عن كل من يروم تحمل مسؤولية نقابية أن لا تكون له صفة حزبية ...بعد أكثر من ثلاثين سنة هل يمكن أن نقول أن المنظمة الشغيلة لم تحسم موضوع الاستقلالية النقابية ومن غير القواعد العمالية يحق له ان يكون حارسا لهذه القيمة الاخلاقية ? ثم واذا كان الاتحاد في عهد جمهورية الخوف قد مثل ملاذا للسياسين فهل مازال هناك بعد الثورة مبرّرا لمثل هدا اللجوء؟ .أعتقد أن الجميع يجب أن يتحلى بالشجاعة التي تليق بالمسؤول النقابي والتي كان يذكرها كثيرا النقابي الراحل حسين بن قدور منبها الى عدم خلطها بالتهور وأن ينظر من تصدى لخدمة الغير في المرآة وأن لا يكثر من الاحتماء بورقة المؤامرة لأنها حتى وان كانت شجرة فانها لا تغطي الغابة أقول هذا وأنا على يقين بأن الاتحاد يزخر في كل هياكله بالشرفاء الحقيقيين الذين يعود لهم الفضل في المكاسب التي تحققت ولكن وللأسف قد تكون الماكينة قد حجمت دورهم وفوّتت على المنظمة فرصة الاستفادة من قدراتهم... الاتحاد شأن لا يهم العمال وحدهم ولكنه ببعده الوطني ملك لاجيال متتابعة يهمها أن يكون في أحسن شروط المناعة والكل يتتطلع الى أن يعطي الموتمر القادم للمنطمة اشارات قوية الى ولوج عهد تستعيد فيه المنظمة بريقها حتى تكون قادرة على ادارة اوضاع معقدة بفعل التعدّدية النقابية والتحوّلات الجوهرية التي يعيشها عالم الشغل اضافة الى التعبيرات المطلبية التي سوف يستنبطها المجتمع المسلح بأدوات التواصل الاجتماعي ...وستكون قيم الشجاعة والنزاهة والتجرّد لخدمة الغير هي القيم الحقيقية التي تمكّن أصحابها من شرف التصدي لخدمة الغير ...يقول ابراهام لنكولن قد تستطيع أن تغالط الجميع الى مدى محدود وقد تستطيع مغالطة البعض الى ما لا نهاية له ولكن لن تستطيع مغالطة الجميع الى الأبد ...