سياسيا ودستوريا وقانونيا يعتبر"مشروع قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية" الذي كثر في شأنه القيل والقال- اعلاميا - هذه الأيام "مسألة" على غاية من الأهمية اعتبارا لكونه سيحدد والى أمد طويل طبيعة النظام السياسي للدولة المدنية في تونسالجديدة... وكذلك لأن "مسألة" المصادقة عليه من عدمها في اطار الجلسة العامة التي ستعقد- لاحقا- للغرض ستبين ربما مدى صدق تلك المقولة التشاؤمية/التآمرية التي ما فتئت تروج لها بعض الأطراف السياسية والتي مفادها أن حزب حركة "النهضة" هو وحده من بيده "الحل والربط" داخل ائتلاف الأغلبية الثلاثي في المجلس التأسيسي وأنه ليس لشريكيه في هذا الائتلاف من الأمر من شيء... وسواء صحت هذه "المقولة" أم لم تصح... وبصرف النظر عن مغازي ودلالات الحرص على ترويجها... وبعيدا عن أي خوض"أكاديمي" نظري في موضوع طبيعة النظام السياسي الأصلح والأنسب للدولة التونسيةالجديدة فان "قراءة" مجردة لما يجد من "أحداث" هذه الأيام على الساحة الاجتماعية بعيدا عن قصر باردو التاريخي حيث تنتظم أشغال جلسات المجلس الوطني التأسيسي تبين أن أنظار عموم التونسيين وبعد أن فوضوا "المسألة السياسية" بكافة أصولها وفروعها للأطراف المنتخبة ( أغلبية وأقلية ) أصبحت متجهة لما هو عملي معيشي وأنه لم يعد يعنيهم في شيء هذا الذي "يتخاصم" حوله الفرقاء والحلفاء داخل المجلس... المفارقة - هنا - أن وسائل الاعلام الوطنية في أغلبها لا تزال تبدو- بالمقابل- "مصرة" على أن تظل أنظار التونسيين مشدودة - فقط - الى هذا "الشأن التأسيسي" الداخلي الذي يهم الأحزاب والحساسيات الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي دون سواها وليس الى"المسائل" والقضايا الأمنية والمعيشية العامة التي باتت تلقي بظلالها على حياة التونسيين في مختلف المواقع وتثير فيهم المخاوف والهواجس... ان التونسيين الذين صنعوا ملحمة 23 أكتوبر وجعلوا منها أول انتخابات ديمقراطية تعددية في التاريخ العربي المعاصر لم يفعلوا ذلك لكي يقال عنهم أنهم "كائنات" سياسية أو ثورية وانما فعلوه لكي يقطعوا - دستوريا- مع دولة الفساد والاستبداد والتهميش وفوضى الأولويات... فعلوه لكي تتفرغ كل جهة وكل مؤسسة دستورية وكل مجموعة وكل طرف الى أداء واجبه في اطار اختصاصه وصلاحياته بعيدا عن الأضواء ونزعات الادعاء والبطولة الزائفة... من هنا ربما يكون قد آن الأوان لكي تقلع بعض وسائل الاعلام الوطنية - ونحن على أبواب الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 14 جانفي التاريخية- عن المبالغة في التركيز على الشأن السياسي والاختلافات الايديولوجية وأن توجه الى ضرورة أن نجتمع -اليوم- كتونسيين على ذلك الهدف الحيوي المرحلي الذي يجب أن يحظى بالأولوية المطلقة والمتمثل أساسا في القطع مع مظاهر الفوضى الاجتماعية والمطلبية والاعتداءات على مؤسسات الانتاج والترفع عن الحسابات الضيقة وعن التحريض الايديولوجي ضد بعضنا البعض... لنستفق رجاء... فقد انتهت "لعبة" السياسة وقال الشعب "كلمته"...