رغم العزلة التي بات يشكو منها دوليا وعربيا، وازدياد مخاطر تدويل الأزمة الداخلية في سوريا منذ أكثر من نصف عام، بما يعنيه من احتمالات تدخل عسكري دولي مباشر لحسمها وإنهائها على شاكلة ما حصل في ليبيا مؤخرا، لا يبدو أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد قد استوعب بعدُ خطورة الموقف الذي وضع فيه نفسه وأدرك أن قدرته على التحكم في المسار الذي أدخل فيه بلاده قد باتت أقرب إلى الصفر بعد كل القمع الدموي الذي ارتكبته قواته الأمنية والعسكرية و"شبيحته" في حق المواطنين السوريين المحتجين سلميا على استمرار تغييب الديموقراطية والكرامة واحترام حقوق الانسان. نقول هذا بعد الاطلاع على تفاصيل الرد الأخير الذي قدمته السلطات السورية إلى جامعة الدول العربية في ما يتعلق بمسألة إرسال مراقبين إلى سوريا للوقوف مباشرة على حقيقة الأوضاع والتطورات الجارية في هذا البلد، والذي تضمن شروطا لا يمكن أن تصدر عن نظام يثق تماما أنه يقول الحقيقة وليس لديه ما يسعى لإخفائه والتعتيم عليه، وكذلك على مضمون الحديث الصحفي الذي أدلى به منذ أيام الرئيس الأسد إلى قناة "إيه بي سي" الأمريكية، والذي أنكر فيه مسؤوليته الشخصية عما حدث من أعمال قتل وتجاوزات ترقى إلى جرائم ضد الانسانية، وهو طرح لا يمكن أن ينطلي على شخص يمتلك ذرة عقل وله معرفة ولو بسيطة بهرمية السلطة في سوريا ومواقع اتخاذ القرارات فيها، خصوصا أن الرئيس السوري هو القائد العام للقوات المسلحة التي تستخدم بكثافة في قمع المحتجين، وبالتالي المسؤول الأول والمباشر عن كل التصرفات التي تصدر عنها. للرئيس بشار الأسد وأركان نظامه نقول إنه ليس بمثل هذا الاصرار على اعتماد لغة الدمغجة والمغالطة المفضوحة سيكون بوسعهم إنقاذ أنفسهم من المصير الذي خطوه منذ اليوم الذي تجرؤوا فيه على إصدار الأوامر باستخدام السلاح وإطلاق النار على مواطنيهم المسالمين، وإن هذا المصير آت لا محالة طالما استمروا في رفضهم تحكيم العقل، والاستجابة لمطالب شعبهم المشروعة. لقد أضعتم حتى الآن كافة الفرص التي توفرت لكم لقلب مسار الأحداث باتجاه التوصل إلى مخرج سلمي للأزمة، ومن المؤكد أن مبادرة الجامعة العربية ستكون آخرها في المطلق.. فعسى أن تدركوا، قبل أن تحزموا أمركم على تفويتها أن ما من إرادة يمكن أن تتفوق على إرادة الشعوب التواقة إلى الحرية واسترجاع الكرامة المسلوبة.