كلما تأخرت استعادة الأموال المنهوبة كلما تعقدت المسألة المماطلة هي لغة المصارف في سويسرا وهي لا تخضع للعواطف والأخلاقيات كل العناصر متوفرة لملاحقة جورج بوش على جرائمه في العراق قال المحامي التونسي المقيم بسويسرا علي صالح بن حديد ان محاكمة المخلوع بن علي يجب أن تكون تتويجا وعنوانا للثورة التي قامت ضد الطاغية. وأضاف بن حديد الديبلوماسي السابق وأخصائي القانون الدولي في حديث خصّ به "الصباح": إن هناك شقا سياسيا لا يريد هذه المحاكمة ومن مصلحته عدم محاكمة بن علي معتبرا في ذات الوقت ان الامر ليس بالمستحيل، ودعا الحكومة الجديدة الى تشكيل لجنة مختصة لنقل القضية الى المحكمة الجنائية مشددا على أن محاكمة بن علي شأن يهم الشعب التونسي وليس قضية تخص رئيس الحكومة الجديد حمادي الجبالي. وشدد بن حديد على أنه كلما تأخرت عملية استرجاع الأموال المنهوبة في المصارف السويسرية كلما تعقدت المسألة. ومن جهة أخرى، رأى بن حديد أن كل الاسباب باتت متوفرة للمطالبة بمحاكمة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش على الجرائم المرتكبة في العراق. وفي ما يلي نص الحديث:
حوار: آسيا العتروس
إلى أين وصلت جهود لجنة التونسيين المقيمين في سويسرا بشأن ملاحقة بن علي أمام القضاء، وهل يمكن اعتبار الامر بعد نحو عام على هروب بن علي مجرد اضاعة للوقت والجهود بالنظر الى الموقف السعودي الرافض للتسليم؟
في اعتقادي أن تتويج الثورة وعنوانها يجب أن يكون محاكمة الطاغية الذي قامت الثورة ضده ومن غير المعقول أو المقبول ألا ينال جزاءه وألا يحاسب، بل وأن يحظى في السعودية بحياة الرفاهية وبالتغطية الاعلامية عن طريق محاميه اللبناني خاصة وأننا نرى أن مبارك يحاكم أمام الملإ في مصر والقذافي قد نال جزاءه، حتى وإن كنت أرفض ما تعرض له من ممارسات تتعارض مع اخلاقنا وديننا.. هناك حقيقة وهي أن هناك شقا سياسيا، وهناك من لهم مصالح في عدم محاكمة بن علي، لكن التوصل الى ذلك ليس بالمستحيل، وإفريقيا شهدت محاكمة تايلور في ليبيريا، وحبري في التشاد، غباغبو في الكوت ديفوار. نجري اتصالات مع وجوه لامعة في القانون الدولي متضامنة مع الثورة التونسية واطارات عليا في المحكمة الجنائية الدولية حيث أن الامر يستوجب اعداد ملفات محبوكة ترقى الى هذه المحكمة، وفي اعتقادي أن تونس لها قضاة متقاعدون لديهم الكفاءة المطلوبة ليقع تكليفهم ضمن لجنة مختصة بإعداد ملف بن علي.
من يتولى أمر هذه اللجنة وإلى من تعود بالنظر؟
قبل يومين التقيت رئيس الحكومة المتخلي سي الباجي وهو المحامي والسياسي، واقترحت عليه الاشراف على تنظيم منتدى دولي في هذا الاتجاه لا سيما وأنه رجل قانون وسياسة عايش مجريات الامور قبل الثورة يدعى إليه عدد من الوجوه المعروفة في القانون الدولي، وآمل أن تجد الدعوة موقعا لها لدى الوزير الاول الجبالي الذي كان بدوره ضحية الطاغية وكذلك الرئيس الجديد وهو المناضل الحقوقي من أجل موقف سياسي حازم. فمن خلال هذا المنتدى يمكن تحقيق أمرين أولها عدم احراج السعودية بعد اعداد ملف قضائي محبك مع توفر كل الضمانات الدولية، وثانيهما يتم توجيه لجنة مكلفة في الغرض الى السعودية على أساس أن هذا البلد استقبل بن علي كرئيس دولة ولكنه بالنسبة للشعب التونسي والقضاء الدولي يعتبر مجرما أضرّ بالبلاد والعباد. أما المحاكمات التي تجري الآن فهي أشبه بالمهازل حيث بإمكان القضاء أن يسلط على بن علي أحكاما بالسجن لمئات السنين إلا أن الامر لن يكون أكثر من ذرّ للرماد على العيون.
ولكن الواقع أن موقف رئيس الحكومة الجديد من المحاكمة متضارب مع موقف المرزوقي، فالاول لا يرغب في احراج السعودية والثاني يطالب بالمحاكمة آجلا ام عاجلا، فكيف يمكن التحرك في هذا الاتجاه؟
في اعتقادي أن الجبالي فعلا يشعر بالاحراج من دغدغة المملكة السعودية حول هذا الموضوع ولكن ما نطلبه لا يمس في شيء العلاقات أو المصالح مع السعودية، والمطالبة بملاحقة بن علي أضعف الايمان وهذا أمر ممكن بالتعاون قضائيا وسياسيا وليس فيه أي نوع من الاستفزاز أو مس بالمصالح. وعندما ترفض السعودية المبادرة هناك وسائل أخرى خاصة إذا كان لدينا ملف كامل يقدم للمحكمة الجنائية الدولية وسيكون للمجتمع الدولي دوره في أوروبا وأمريكا للضغط على حكوماتها في هذا الاتجاه.. لقد صفق الكونغرس ولأول مرة للثورة في تونس ولا أعتقد أنه سيناقض إرداة المجتمع المدني.
هناك الجانب الآخر الذي تعتمده السعودية وهو أنها ترفض أن تخذل من لجأ اليها طالبا حمايتها في لحظة عسر؟
حينئذ نكون قد قمنا بما يتعين علينا القيام به. فالشعب من حقه أن يفهم أبعاد الموقف السعودي لأن الموضوع لا يتعلق برئيس الحكومة والعائلة المالكة بل بحق الشعب التونسي في المطالبة بذلك وملاحقة من أجرموا في حقه، ومن هنا يأتي دور المجتمع المدني وفي اعتقادي أن أمريكا لم تكن عاجزة عن حماية مبارك ولكنها فهمت أنه لا يمكنها أن تعارض خيار الشعوب وتقف الى جانب الطغاة. نحن نعرف ان للمرزوقي علاقات مع المنظمات الحقوقية في الغرب ويمكن للتحركات نحو المحكمة الجنائية الدولية في العواصمالغربية أن تؤتي ثمارها، لأن الحكومات يمكن أن ترضخ للضغوطات، لكن أن نبقى في موقف المتفرج فهذا لا يجوز. شخصيا لا أعتقد أنه تم تقديم طلب جدي للسعودية في هذا الشأن فحكومة السبسي كانت لها أولويات أخرى في مواجهة العواصف الاقتصادية والامنية وغيرها.. والآن نحن على أبواب مرحلة جديدة نطالب كل المضطهدين في عهد بن علي بمختلف انتماءاتهم الى تكثيف الجهود من أجل هذه المحاكمة ليس من باب الضغينة والتشفي والانتقام ولكن عندما تتم المحاكمة فان المصالحة تكون أكثر جدوى.
وما الذي تحقق حتى الآن في ملف الأموال المنهوبة في المصارف الاجنبية بعد نحو عام من هروب بن علي خاصة ونحن نسمع عن استعادة الشعب المصري والليبي أموالا نهبت في عهد مبارك والقذافي؟
لو نبدأ من ليبيا فإن ما نراه أن مصالح الغرب هي التي تطفو على السطح. فقد هدموا ليبيا وسيتولون اعادة بنائها بأموال الليبيين. فالمخطط الاستعماري والدفاع عن المصالح الاقتصادية للناتو وليس حب الديموقراطية أو حب الشعب الليبي وراء التدخل في ليبيا، فكانت المصالح الاقتصادية والجيوبوليتيكية التي تحركت في وجه الزحف الصيني في افريقيا من جهة والتناحر على ثروات ليبيا وبالتالي الفوز بموقع استراتيجي في المتوسط في مواجهة روسيا والصين وحماية الابن المدلل اسرائيل علما وأن هذه المحاور كانت دائما تحكم التوجهات السياسية للغرب. فليبيا هي العراق الثاني ولكن تهديمها كان بشكل مختلف نظرا لما تحملته أمريكا من خسائر في العراق وأفغانستان، فجاء السيناريو بتقدم فرنسا وبريطانيا لهدم ليبيا ثم إعادة بنائها ولكن بأموال ليبية ومستشارين غربيين وهذا هو الوجه المقنع للاستعمار في ثوب جديد. وفي ما يتعلق بتونس فقد كنت ضمن أول من تحركوا في سويسرا للمطالبة بتجميد الاموال التونسية، وشكلتُ مع عدد من التونسيين هناك جمعية لهذا الغرض وقد أوكلت المهمة لاحقا الى محافظ البنك المركزي مصطفى النابلي لمتابعة مختلف المحاكمات في مختلف الدول الاوروبية على اعتبار أن تعود هذه الاموال الى الشعب التونسي عبر البنك المركزي، ولكني أذكر أن مختلف الاجراءات في عديد البلدان خاصة فرنسا وبريطانيا وسويسرا والامارات وقطر تتطلب اليقظة والنشاط والحزم والمتابعة المستمرة ولكن اقول: "لا أمر لمن لا يطاع", لغة المصارف هي المماطلة علما وانه في قانون المال لا موقع للعواطف أو الاخلاقيات وبالنسبة للمصارف السوسرية فان بن علي وجماعته هم الحرفاء الاساسيون وهذه المصارف تغض الطرف عن شرعية تلك الاموال أو نظافة اصحابها والمهم ان تبقى بين أيديهم للتصرف فيها والاستفادة من عائداتها أطول وقت ممكن. ففي سويسرا فان القوانين المعمول بها في الحكومة الفيدارلية في واد وقوة البنوك في واد اخر ومن يحكم سويسرا، الاموال والبنوك الكبرى لها وزنها وكلمتها وقدرتها على تنفيذ ما تراه صالحا لاهدافها العليا. في البداية أشارت التصريحات الاولى للسلطات السويسرية الى وجود نحو 700 مليار دينار لديها واليوم فان هذه السلطات تتحدث عن نحو مائة مليار دينار تونسي وكلما طالت المدة كلما تقلص المبلغ. ولذلك فقد اقترحت على المسؤولين أنه حيثما اعترفت سويسرا بوجود تلك المبالغ فسيكون بالامكان أن تقبل سويسرا بتقديمها أو على الاقل جزء منها الى تونس في شكل قروض من دون فائض على أساس استكمال بقية المبلغ بعد اتمام الاجراءات القانونية وهذا حل ممكن عبر معاهدة أو اتفاقية بين البلدين.
ولكن التونسي اليوم بات يعلق آمالا كثيرة على هذه الاموال لخلق فرص عمل جديدة واصلاح ما يجب اصلاحه اقتصاديا؟
نتفهم هذه الامال والانتظارات من عودة الاموال المهربة من جانب بن علي ومقربيه وهناك أيضا من يمني النفس بأموال قادمة من قطر ومن دول الخليج وشخصيا لدي تحفظات على ذلك نظرا للتجارب التاريخية التي وقعت مع هذا النوع من الاستثمارات واملاءاتها وشروطها المجحفة وفي اعتقادي أن الاهم بالنسبة لتونس يرتبط بعلاقاتنا مع دول الجوار التي تربطنا معها حدود وعادات وتقاليد مشتركة ولا ننسى أن الجزائر احتفت بزيارة رئيس الحكومة الباجي قائد السبسي وقدمت لتونس هبة مالية بمائة مليون دون شروط وفي المقابل عندما يقدم لنا الاتحاد الاوربي مساعدة مشروطة بخمسة ملايين نهلل لذلك. كانت هناك مشاريع على طول الحدود مع الجزائر تشمل تالة والقصرين والكاف وغار الدماء وكان الطرف الجزائري على درجة من التفاؤل بعد زيارة قائد السبسي.. واجتمعت اللجنة المشتركة للبلدين عندما زار وزير الخارجية المولدي الكافي الجزائر ولكن وفي آخر لحظة تعثرت الاتفاقية المتعلقة بالاقامة وحرية انتقال الاشخاص والبضائع وهذه النقطة كانت حجر العثرة التي خلفها بن علي على طريق التقارب والتكامل بين البلدين ثم كانت زيارة زعيم حركة النهضة الى الجزائر وكانت له اتصالات بوجوه من النظام وبأقطاب المعارضة وربما يكون هذا مؤشرا على انفتاح الجار الجزائري ومدّ يد التكاتف لتحقيق التكامل الاقتصادي في منطقتنا. الامل الآخر بالنسبة لنا ليبيا بما يربطنا بهذا البلد من تشابك للمصالح والعادات المشتركة، مع الامل أن تتجه الامور بين الاطراف المتنازعة في هذا البلد الى المصالحة وقطعها الطريق أمام القوى الاستعمارية للتفرد بثروات هذا البلد. وشخصيا لا اعتقد أن العواطف النبيلة لها دور في اللعبة السياسية اذ يكفي أن فرنسا فازت بحصة تقدر ب35 بالمائة للتنقيب عن النفط الليبي أما بريطانيا فقد أمضت عقودا لا يستهان بها في ليبيا ثم ان برنار ليفي زار ليبيا مرارا وكان له دور فعال ان لم يكن أساسيا في خدمة مصالح اسرائيل وتجنيد ساركوزي وغيره للفوز بالكعكة وفي المقابل يتواصل تقديم الدعم لاسرائيل.. وهناك أنباء من بنغازي تكشف ان عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي حمل الى ناتنياهو رسالة ضمان لاسرائيل لذلك من الغباء الاعتقاد أن الغرب تحرك حرصا على الديمقراطية.
لكن كل هذا بلا أدلة لا يعني شيئا ويبقى قابلا للتشكيك أيضا؟
نعم لذلك أقول ان الغرب تعمد أن تكون نهاية القذافي بتلك الطريقة حتى لا تقع محاكمته وحتى لا يفضحهم ولو كان الغرب حريصا على مصلحة الشعب الليبي لما فرش للقذافي الورود طوال عقود والعالم يذكر كيف كان القادة الغربيون يتسابقون الى خيمته بدءا بأزنار وبرلسكوني الذي بلغ به التملق حدّ تقبيل يد القذافي وصولا الى ساركوزي الذي ارسل زوجتة السابقة سيسيليا الى ليبيا في قضية الممرضات وما راج بعد لقائها للقذافي في خيمته من أنباء عن تمويله حملة ساركوزي الانتخابية في 2007 كما لا ننسى أيضا دور توني بلير الذي صار مستشارا شخصيا للقذافي ويتردد عليه علاوة على مصالح أخرى وكل هذا يفسر قتل القذافي وذلك الاخراج المسرحي السيّئ حتى لا يفشي ما خفي من أسرار أمام الرأي العام خاصة وان كلا من فرنسا وامريكا سيكونان أمام عواصف انتخابية قريبا.
ألا ترون أن دور المهاجرين التونسيين في الخارج بعد الثورة لا يزال دون المطلوب في هذه المرحلة؟
في الواقع إن المهاجرين غالبا ما يصطدمون بالعقليات السائدة، وكلما عدت الى تونس اكتشفت أن الكل يريد أن يتكلم والكل يريد أن يحكم والكل يشتكي ولكن لا أحد يتحدث عن العمل والانتاج.. صحيح أن مستقبلنا بين أيدينا، وما حك جلدك غير ظفرك كما يقول المثل الشعبي، وليس سرا أنه لا استقرار بدون أمن ولا استثمار بدون استقرار; التوانسة في الخارج يريدون مساعدة البلاد ولذلك لا بد من الامن والاستقرار.. إغلاق المجمع الياباني ليس رسالة جيدة للمستثمر، ارادة الشعب لا تتحقق بالمظاهرات والاعتصامات فقط ولكن أيضا بالشغل والكرامة، وكل وعود الوفود الغربية والبنك الدولي لا تفيدنا اذا لم نفد أنفسنا، وأمامنا في ألمانياواليابان وكوريا الجنوبية أفضل الدروس.. ألمانيا سحقت بعد الحرب العالمية الثانية ولكنها اليوم هي القلب النابض للاقتصاد الاوروبي، وصاحب القرار الحقيقي من يملك الاقتصاد.. كذلك اليابان بعد هيروشيما هي اليوم قلعة العلوم والاختراعات.. نحتاج اليوم الى خطاب جديد لتغيير العقليات والعادات السيئة والقضاء على التواكل، أما الاقتصار على الشعارات والترويج بأن هذا الوزير أو ذاك سيعمل دون أجر فهذه قشور لا تغطي الواقع الاقتصادي المتردي ولا يمكن أن تغير شيئا ونحن لا يمكن ان نكون شعبا متواكلا ينتظر المساعدات ويعيش على الصدقات أما التعويل على قاعدة "شد الحيط حتى نجي" فهذا يرمي البلاد الى المجهول.
طلبت منظمة العفو الدولية من دول إفريقية اعتقال جورج بوش في حال قام بزيارتها فهل تعتقد أن المناخ الدولي يسمح اليوم باعتقال ومحاكمة الرئيس الأمريكي السابق؟
لا بد من هذه المحاكمة، وأذكر أن المحامي جاك فرجيس كان أول من دعا الى ذلك فجورج بوش مجرم حرب وقد أهدر الطاقات الامريكية وتسبب في قتل الآلاف من العراقيين، ودمر أكبر بلد عربي بكل ما فيه من خيرات وطاقات وعلماء بدعوى أسلحة الدمار الشامل والبقية معروفة استفزاز وتحدي المسلمين باعدام صدام يوم عيد الاضحى.. نحن أمام كل العناصر المطلوبة لمحاكمة بوش لو تحرك المجتمع المدني داخل أمريكا وخارجها لذلك، والامر لا يتوقف عند حدود محاكمة بوش ولكن ايضا رامسفيلد ووولفويتش وأتباعه، ومن الوجوه التي يمكن التعويل عليها وزير الخارجية الفرنسي السابق دوفيلبان كمحام وكوزير وهو الذي أعلن رفضه الحرب على العراق في الاممالمتحدة ورولان دوما وغيرهم..