تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطاع السياحة: واقع و آفاق
نشر في الصباح يوم 25 - 12 - 2011

مصطفى البعزاوي هذا المقال في شكل مقابلة مع الوجه الجامعي و الاقتصادي المعروف الأستاذ الدكتور حسين الديماسي قبل أن يصبح وزيرا للمالية كنا توافقنا عليه منذ فترة لتسليط الضوء على أحد المواضيع الحساسة التي كثر حولها اللغط بعد 14 جانفي. تعمدت القيام بهذه المحاورة لسببين. الأول, تجربة الأستاذ حسين الديماسي في مجالات متعددة تؤهله لمعرفة خفايا و دقائق بعض الملفات, و ثانيا لخبرته الطويلة في ميادين التدريس و اشتغاله بقضايا و هموم الاقتصاد التونسي في جميع فترات تشكله. فقد عايش مرحلة بناء الاقتصاد التونسي في بدايات تشكل الدولة مع بورقيبة و عايش كذلك تجربة تحولات الاقتصاد التونسي في العشريتين الأخيرتين تحت شعار برنامج التأهيل الهيكلي الذي بدأ سنة 1986 تحت عنوان P.A.S .
ملف السياحة تحول فجأة إلى ملف ذي حساسية مفرطة لم نجد لها مبررا بعد 14 جانفي. فقد حشر البعد الأخلاقي فيها حشرا على اعتبار أنها نشاط اقتصادي يتعارض مع الأخلاق يبيح شرب الخمر ويشجع على العراء. هذه الأحكام المسبقة و الشعبوية لا تستوي مع المنطق و لا مع العقل و لا مع حاجيات الناس, خصوصا في هذه الفترة بالذات، هدفها, عن حسن أو سوء نية، التشويش على مشروع بناء اقتصاد قوي تكون السياحة أحد أعمدته. يمكننا القول أن نشاط القطاع السياحي في تركيا مثلا لا يزال كما هو بعرقه(راء مفتوحة) و خموره مع فارق, ربما يكون بيننا, هو عراء البحر.
في هذا الإطار كان هذا اللقاء الذي نجمل فيه بعض التساؤلات حول واقع السياحة, أمراضها و مشاكلها الهيكلية لننتهي إلى بعض التوصيات التي يمكن أن تساعد أصحاب القرار الجدد في جعل هذا القطاع يساهم في بناء اقتصاد قوي و يشكل فرصة للاستثمار و مصدرا للربح و رافدا من روافد التنمية بما يخلقه من مواطن شغل و يوفره من دخول و أجور تضمن كرامة القوة العاملة فيه.
أين تضع لنا قطاع السياحة في الاقتصاد التونسي؟
الأستاذ حسين الديماسي: تمثل السياحة قطاعا إستراتيجيا في الاقتصاد التونسي و ذلك باعتبار المكانة المباشرة التي تلعبها في العملية الإنتاجية و التشغيل من ناحية و باعتبار قوة الجذب و الدفع التي تمارسها على بقية القطاعات الأخرى. الكثير من الأنشطة الاقتصادية المنتجة مرتبطة بشكل مباشر بالسياحة. خمس أو أربعة ملايين سائح يفدون على البلاد التونسية لا يجلبون غذاءهم معهم. تأثيرات القطاع السياحي هي مباشرة على الدورة الإنتاجية للفلاحة و الصيد البحري و الصناعات الغذائية والنقل و التنشيط
و غيرها. بعبارة أخرى جزء كبير من الإنتاج الوطني نقوم بتصديره إلى الداخل من خلال استهلاك القطاع السياحي. بعض الأرقام المفاتيح تبرز لنا أهمية هذا القطاع في الاقتصاد الوطني, فهو يمثل:
- 10 % من الإنتاج الداخلي الخام, يوفر أكثر من 100 ألف موطن شغل قار و 300 ألف موطن شغل موسمي, يساهم في تغطية عجز الميزان التجاري بنسبة تصل إلى 75 %. بمعنى آخر يساهم هذا القطاع في تغطية تكاليف وارداتنا في حدود هذه النسبة وهي نسبة يجب الوقوف عندها.
هذا عدى أن القطاع يستوعب معدل خمسة ملايين سائح أجنبي و 1,4 تونسي مقيم. ربما نضيف أعدادا ضخمة كذلك من الإخوان الليبيين و الجزائريين و الذين يمكن اعتبارهم ضمن السياحة الغير المصنفة le Tourisme Informel و الذين ليسوا حرفاء مباشرين للسياحة بمفهوم المقيمين في النزل.
- على مستوى الصناعة السياحية, بلغ حجم الاستثمار في هذا القطاع 1.200 مليون دينار في الخمس سنوات الأخيرة ( أرقام إلى حدود 2009) يعني بمعدل استثمار يقارب 250 مليون دينار سنويا. إلا أن مصارف هذا الاستثمار تحجب مشكلة هيكلية. على سبيل المثال بلغ حجم الاستثمارات سنة 2009 300 مليون دينار توزع على ثلاث أبواب: السكن ب 175 مليون دينار, التجديد ب 80 مليون دينار و التنشيط 54 مليون دينار وهو ما يعني أن حجم استثمارات التجديد يصل إلى 27 % ما يعكس تدني البنية التحتية لمنشآت هذا القطاع التي لم تعد تستجيب لمتطلبات الحرفاء.
هل يمكن تشخيص قطاع السياحة التونسية كمنتج اقتصادي صرف, مما يشكو؟
حسين الديماسي: فعلا, القطاع السياحي في تونس كان يشكو منذ عقود من خلل هيكلي مزمن. هذا الخلل ما فتئ يتعمق على مر الفترات التي شهدتها بلادنا دون أن يسعى احد إلى تدارك المطبات الهيكلية التي أصابته. تنقسم هذه المطبات إلى نوعين, الأول يتعلق بالسياسة العامة للدولة و الثاني يخص ملامح القطاع نفسه.
بالنسبة للسياسة العامة يجب التذكير أنه منذ الثمانيات اعتمدت الدولة سياسة تنشيطية مدمرة لهذا القطاع تتلخص في إجراءين. الأول هو التخفيض الهائل في قيمة الدينار وهو ما أعطى انطباعا أوليا على القدرة التنافسية لهذا القطاع في الأسواق العالمية. أنضاف إليها إجراء ثاني لا يقل سلبية عن الأول و هو سياسة تكسير الأسعار من طرف المهنيين بعلم الدولة. بحيث انه كلما كانت هناك مصاعب في هذا القطاع لجأت الحكومة او المهنيين إلى الاعتماد على هذين العاملين أو أحدهما لتنشيط الحركة السياحية. مما انعكس بالسلب على مردودية النشاط السياحي و أدى إلى تدهور الخدمات السياحية أثر بشكل مباشر على نوعية السائح نفسه. ما يفسر جزئيا كيف أصبحت تونس سوقا لمواطني بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة وهي لا تتوفر على مستوى من الدخول يمكنها من تنشيط القطاع السياحي على مستوى الاستهلاك. يمكننا أيضا ملاحظة الانفصال بين تطور البنية التحتية و التكوين البشري حيث برغم الاستثمارات في المؤسسات السياحية اكتفينا بالحفاظ على معهد وحيد مختص على المستوى الوطني مما أعطى انطباعا عاما أن هذا القطاع لا يتطلب حرفية و مهنية مميزة, لذلك فالقطاع السياحي هو الأقل تأطير في كل القطاعات.
أما العنصر الثاني المتعلق بخصوصيات القطاع نفسه فيتلخص في اقتصار القطاع على الاستفادة من الخصائص الطبيعية للبلاد, الشمس و البحر, دون التفكير في خلق أو إحداث منتجات مكملة. لم نهتم مثلا بالتنشيط السياحي القائم على السياحة الثقافية
و الجبلية. بعد تجربة أكثر من خمسين سنة لا زالت سياحة شاطئية ساحلية، فحتى السياحة الصحراوية ليست سياحة إقامة بأتم معنى الكلمة. فما يمنع انخراط المجتمع الأهلي في الدورة السياحية بعيدا عن إشكال الفلكلور المبتذل التي تروجه بعض وكالات الأسفار و الترفيه؟ السياحة الأهلية كان يمكن أن تشكل ميزة لتونس لو انخرط المحيط الاجتماعي في الدورة السياحية.- نمط العيش, نمط الإنتاج, التجمعات الأهلية الريفية إلخ.. القطاع السياحي في عزلة تامة عن المحيط الأهلي للمجتمع التونسي, حتى جغرافيا, فالنزل على شاكلة القلاع المحمية. ليس هناك أية علاقة اجتماعية و ثقافية بين رواد هذه النزل و بين المحيط الاجتماعي و الثقافي للبلاد. مع الوقت و مع انفتاح المجتمعات على بعضها أصبح المنتوج التونسي لا يملأ أكثر من الفترة الصباحية للسائح وباقي اليوم يشعر بالملل و الضجر و هذا يشكل جزءا من المنتج السياحي التونسي بشكل عام وهو ما أضر بصورة تونس كوجهة و سوق.
مديونية القطاع السياحي ما هي الحقيقة و ما هو الخيال؟
من نتائج السياسة التي أشرنا إليها في أول الحديث هي انحسار هامش الربح و المر دودية في هذا القطاع إلى الحد الأدنى. المداخيل تضاءلت إلى الحد التي لم تعد تكفي إلى تغطية النفقات القارة و المتغيرة وهو ما انعكس بشكل مباشر على نوعية الخدمة وصل إلى رداءة الوجبة الغذائية و نوعية الإقامة. هذا أدى إلى معضلتين أساسيتين:
1- تزايد مديونية القطاع تحت ضغط ضرورة التأقلم و التأهيل مع متطلبات السائح, وهي وضعية انقاد إليها المهنيون قسرا و دون خيار. فتسعيرتهم التي ساهموا في إنزالها لا ترقى إلى تغطية نفقات خدماتهم مما أدى في نهاية الأمر إلى عجزهم على سداد ديونهم لدى القطاع البنكي و قلص و قلل في نفس الوقت من قدرتهم على مواصلة الاستثمار. من ناحية أخرى أدى ذلك إلى تفليس العديد من الوحدات السياحية و في أحسن الأحوال إعادة تصنيفها إلى فئة أدنى. إن كل الاستثمارات كانت تساهم في إغراق القطاع في المديونية لأن مردودية النشاط لم تكن قادرة على توفير السيولة الكافية لسداد القروض.
2- إنساق المهنيون تحت ضغط المديونية إلى عدم الشفافية المالية و التجاهل الإرادي للمعايير المحاسبية في موازناتهم المالية الحقيقية. لم تعد التوازنات المالية, لاستثمارات بطبيعتها ثقيلة ومكلفة, ذات أولوية في الرقابة و الحذر وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى العجز التام عن الإيفاء بالديون. هذا الوضع خلق حالة عامة مفادها الإقرار بأن مديونية القطاع السياحي هي مديونية مزمنة و تكاد تكون طبيعية. ساهمت السلطة السياسية
و الدولة بشكل خاص في تعويم هذا الوضعية الصعبة من خلال الضغط على القطاع البنكي عبر إسقاط الكثير من الديون و اختارت أسهل الحلول وهي الجدولة و إعادة الجدولة حتى أصبحت هذه الإجراءات عبثية و ضارة للتوازنات المالية لقطاع البنوك
و للاقتصاد بصفة عامة. لا بد هنا من الوقوف على مسؤولية القطاع البنكي في الوصول إلى هذه الوضعية حيث أن هذا التمويل لم يخضع في غالب الأحيان إلى المقاييس المالية المتعارف عليها للإقراض بين المستثمر و بين البنك بل إلى اعتبارات أخرى لا فائدة في ذكرها. كما انه كان مطالب على الأقل و بشكل مهني بالدفاع عن أمواله من خلال اشتراط ضمان الدولة مثلا.
أما عن الخيال فبعض المهتمين بالشأن السياحي يقولون أن بعض المهنيين استفادوا من تشجيع الدولة دون أن يتحملوا مسؤوليتهم مقابل ذلك. هل يعقل مثلا أن تتحمل الدولة وحدها و كليا مصاريف الإشهار للعناوين السياحية؟ لذلك كان اللجوء دائما إلى الحلول السهلة لضعف الدولةأمام طلبات أصحاب القطاع لاعتبارات تتجاوز البعد الاقتصادي الصرف. مؤسسة الدولة التي كانت تدار من خلال القصر حرصت على أن تكون السياحة عنوانا من عناوين سياستها الخارجية لذلك سعت دائما للمعالجة الآنية و منها إرضاء المهنيين. و هم أو البعض منهم استغل هذه الوضع الضعيف للدولة للحصول دائما على حلول ظرفية و تشجيعات لم تكن دائما في صالحهم على المستوى المتوسط و البعيد. لذلك أدعو شخصيا لتوفير الحد الأدنى من رأس المال و المهنية لكل الباعثين الجدد في هذا القطاع كما أنادي أن تكون كل التشجيعات الجبائية و الاجتماعية و المنح المالية ما بعدية يعني بعد أن تتحقق نتيجة الاستثمار و تصبح واقعا لا أن تسند الدولة منح و تشجيعات على مجرد النوايا و الدراسات.
تزامن الأزمة العالمية مع التحولات التي تشهدها بلادنا هي فرصة نادرة لإعادة هيكلة هذا القطاع. لعل الأوضاع العالمية المضطربة تساعدنا الآن, و بدون ضغط, على إعادة ترتيب البيت الداخلي و القيام بالإصلاحات الضرورية خصوصا و أن الواقع الذي خلقته الثورة في تونس لم يتسبب مباشرة في تراجع النشاط السياحي؟
ربما تعتبر هذه الفترة فعلا من الفرص النادرة لهذا القطاع حتى يقوم بإعادة هيكلة نفسه. المعروف في الاقتصاد أن الاستثمارات و الإصلاحات لا تكون مجدية و قابلة للنجاح إلا في قعر الأزمة و في فترات التراجع و الانحسار. من ألطاف الله أن الثورة لم تكن شماعة نعلق عليها تراجع النشاط السياحي و نواصل دفن المشاكل الحقيقية لهذا القطاع كما اعتدنا من قبل. وبرغم المحيط العالمي المضطرب لا زالت تونس وجهة و لا زلنا نسجل بعض المداخيل اعتمادا طبعا على تقاليدنا في المهنة و صورة تونس الإيجابية. في الثورات
و الاضطرابات في كل بلدان العالم يحزم السواح حقائبهم في اتجاه أول طائرة لكن ذلك لم يحدث في تونس و لم نسجل اكتظاظ المطارات بالهاربين بل تواصلت الرحلات باتجاه تونس حتى و إن كانت بنسق اقل مع الأخذ بعين الاعتبار لعنصر الأزمة العالمية. يجب الإقرار أن لهذا القطاع تقاليده و علاقاته وسوقه و نحن في تونس نتعرض حاليا إلى الانعكاسات المباشرة للأزمة الاقتصادية العالمية. وهي فرصة للقيام بما هو ضروري لرسم معالم سياحة جديدة و متطورة تكون في مستوى تطلعاتنا و متطابقة مع إمكانياتنا
و قدراتنا المادية و البشرية و الطبيعية. تحت هذا العنوان يجب التأكيد على أن 85 % من السياح هم من أوروبا التي تعيش في قلب الأزمة الاقتصادية العالمية و الذين لا يمكن لهم بحال من الأحوال تخصيص ميزانية للسياحية و مواردهم الحياتية القارة مهددة بشكل مباشر ( إيطاليا, فرنسا, و ألمانيا بشكل أقل). لذلك أقول أن نوعية السياح الذين يقصدون تونس سوف لن تتغير على المدى المتوسط و البعيد و هذا خلافا لبعض الشعارات التي ترفع من هنا و هناك مفادها أننا يمكن أن نستقطب نوعية جديدة من الحرفاء ( الخليجيين مثلا). حيث تثبت الإحصائيات انه على مدي العشر سنوات الأخيرة لم يتجاوز عدد الخليجيين الواحد في المائة من مجموع السياح. هذه بنظري نسبة لا يمكن الاشتغال عليها إلا لتطويرها أما أن تعوض نسبة 85 % للسائح الأوروبي فهذا غير عقلاني و غير وارد. يجب التذكير كذلك أن طلبات السائح الخليجي ليست دائما في متناولنا دون الخوض في التفاصيل. لذلك يجب الاحتفاظ بالسوق الأوروبية و الانفتاح لم لا على متطلبات حرفاء جدد بتوفير بعض شروط راحتهم.
معالم استراتيجيه الإصلاح إذا أجزنا استعمال ماهي كلمة إستراتيجية؟
حسين الديماسي: طبيعي أن ترتكز عقلية الإصلاح على بعض الأسس أو الشروط الهيكلية.
- أولا يجب إيجاد هيكل وطني واحد يمثل المهنيين ويدافع عن القطاع من أصحاب القطاع أنفسهم. على كل المهنيين الاتفاق و بصفة باتة و مبدئية على حد أدنى من الأسعار لا يمكن النزول تحته تحت أي ظرف من الظروف و هو ما أسمية بالخط الأحمر. قرار كهذا يجب أن يكون بإشراف الوزارة أو الدولة لإعطائه الصبغة الوطنية.
- ثانيا مراجعة العلاقة مع وكالات الأسفار العالمية في ما يخص تحديد شروط الصفقات وهي فرصة لإعادة تسعير السوق التونسية حتى نعيد إليها الاعتبار و نرتقي بنوعيتها.
- ثالثا تحسين المنتوج السياحي بتحسين نوعية الأكل خصوصا, و معالجة هذا المشكل المستتر والمسكوت عنه. إضافة إلى ضرورة مسايرة تطور التكوين و الرسكلة لليد العاملة و الابتعاد عن اليد العاملة الهشة و الغير كفوءة.
- رابعا خلق فضاءات و مشاريع تنشيطية مكملة للسياحة من طرف المهنيين. لماذا لم يفكر أحد المهنيين في قطاع السياحة في إقامة أحواض مائية في شكل معارض أو متاحف مائية تظهر التنوع البيئي والحيواني للبلاد التونسية؟ لماذا لم يستفد احد في بقية المدن الساحلية من التجربة التنشيطية الرائدة في توزر؟
و في الأخير:
حسين الديماسي: مساندة الدولة تبقى دائما ضرورية, إنما ضرورية بعد تحقق النتائج المرجوة و ذلك لطرد الرأسمال الانتهازي الذي لا يسعى إلا للاستفادة من التشجيعات. أريد أن أشير أيضا لبعض ما يقال حول ضرورة الإسقاط الضريبي أو التنازل على أعباء الديون المتراكمة لهذا القطاع بالقول أن هذه الإجراءات يجب أن تكون محل حوار وطني تشترك فيه كل الأطراف- أحزاب سياسية, منظمات مهنية, مهنيون, إدارة- لاتخاذ إجراءات ذات صبغة وطنية لمصلحة البلاد أولا و أخيرا لأنها تعتمد بالأساس على موارد المجموعة الوطنية ككل. كما لا يفوتني تأكيد ثقتي الكبيرة في قدرتنا على تجاوز كل هذه المعوقات للنهوض بقطاع السياحة بعيدا عن كل المزايدات و بعيدا عن كل التقييمات الغير مسؤولة, لكن ذلك يتطلب في تقديري فترة لا تقل عن العشرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.