بقلم منير بن حسين ورد بجريدة» الصباح» في ركن المنتدى (تأريخ 21/12/2011)، مقال للسيد منجي المازني يفضح فيه حسب رأيه ،»الفنون الجديدة في سياسة إفساد العقيدة». وكرد على هدا المقال سوف أحاول أن أبين فيه المغالطات الفكرية التي أستعملها الكاتب (عن حسن نيته بطبيعة الحال) كفنون قديمة متجددة في التعميم والتهويل لإقصاء الفكر والرأي المخالف (والسيد المازني وغيره من العارفين بالتراث الفكري الإسلامي يعلمون ويفهمون ما أقصد). ابدأ من المغالطة الأولى في اسم المقال المعنون «الفنون الجديدة في سياسة إفساد العقيدة»، . هذا العنوان جذاب ويحيل القارئ لاشعوريا على تقبل ضمنيا وجود سياسة معينة لإفساد العقيدة ومن ثم المرور سريعا لفهم هذا الأمر الخطير وقراءة المقال و التعرف على الآليات الإستخباراتية التي تفطن إليها الكاتب، لكشف مخططات سياسية رهيبة ، و كشف إستراتجية العلمانيين الجدد لإفساد عقيدة التونسيين البررة وغير الواعين بما يدور حولهم من مخططات جهنمية خطيرة ورهيبة. فالعنوان المغالط يحيل القارئ دون أن يشعر إلى نقل المسألة و الجدل الحاصل حاليا من الصعيد السياسي و الاجتماعي إلى الصعيد الديني و العقائدي، والسيد المازني ومن يحذو حذوه من سلفيين وإسلاميين متشددين، سوف يكونون إن شاء الله و عونه المنقذين و المدافعين عن العقيدة وعن الهوية وعن المجتمع كله باسم الدين بطبيعة الحال. و من يخالفهم الرأي فهو يعتبر خارجا عن العقيدة و خارجا عن الدين و يجب لولا فقه الأولويات الذي فهمه الكاتب، في التمشي السياسي المتدرج لحركة النهضة ، إقامة حد الردة عليه. إلا أنها مسألة وقت كما بين الكاتب، و يجب أن نشجع و أن نتفهم هدا التمشي لحركة النهضة في هذه الإستراتيجية و عدم مضايقتها في هذا الوقت و في هذه السياسة المتوخية حسب الأولويات، ولكل مقام مقال ودوام الحال من المحال. ففي حقيقة الأمر هذه المقاربة ليست فقط بالمغالطة بل بالخطيرة، و لذلك نجد بعض العلمانيين الرافضين والناقدين بشدة لهذه الأحزاب ومن يدافعون عنها ، لأنهم يعلمون جيدا بمبدأ فقه الأولويات والتقية المخفية في عقول وأذهان هذه الأحزاب ومن دنا حذوهم من طينة السيد المازني، و ذالك إلى حين توضيح المسائل الفكرية و العقائدية بل قل و فرضهاعلى الناس لأن العكس هو الفساد ، أليس كذلك ؟ المغالطة الثانية تكمن في فكرة، العقيدة هي رأس المال و هي أعز ما يملك الإنسان في هذا الوجود حسب رأي الكاتب ، هذا؟ طيب وكيف ندرك و نستوعب بأن العقيدة هي رأس المال ؟ هل ندرك و نستوعب العقيدة والنقل والثوابت والشريعة و غيرها من المصلحات الدينية، بالعقل أو بالنوايا الحسنة ؟ إذا كان الإدراك بالنوايا فقط فالكاتب هو المصيب ، وإن كانت بالعقل والتعقل، فالعقيدة تأتي إذا في المرتبة الثانية بعد العقل والتعقل. المغالطة الأخرى تكمن عندما يضع العلمانيين المتطرفين بكل أصنافهم (بكسر العين و فتح العين) في سلة واحدة ،و باحتكارهم المنابر على حساب المساجد و الدعاة. كما لو كان في الزمن البائد إمكانية للمفكرين والمثقفين الأحرار المستقلين أن يجادلوا في هذه المواضيع ، و الإسلاميون هم وحدهم الممنوعين من منابر الحوار الفكري و الإعلامي. ففي حقيقة الأمر لو عكس لا أصاب، لأنه ببساطة إذا كان الأمر كذالك في تونس على الطرفين، ففي دول أخرى و على الفضائيات البترولية منابر الإعلام والحوار كانت ولا زالت مفتوحة إلا لطرف واحد، نعلم كلنا جيدا من هو هذا الطرف. والفضل يعود في آخر الأمر للشهداء عليهم رحمة الله والشباب الثائر والمعطل عن العمل من أجل الكرامة و العيش الكريم و ليس للعلمانيين و لا للإسلاميين. أما المغالطة الكبيرة و العامة ، هو استشهاد الكاتب بآيات من القرآن الكريم و تفسيرها وتأويلها كيف ما يشاء أو بل قل كيف يشاء من يمثلهم من سلفيين و إسلاميين متشددين الذين يكفرون الرأي المخالف و لا يؤمنون إلا بالنقل عن ظهر قلب و لا مكان للعقل والتعقل. و لو وقع تفسير هذه الآيات بطريقة أخرى فسوف يصبح المفسر و المؤول من المنافقين و من العلمانيين المتطرفين. و دون الخوض في الأصول الفقهية المعقدة ، فمسائل مثل مسألة الربا و الاختلاط بين الجنسين و الخمر و غيرها ، يجب ان تناقش من كل الزوايا. وإذا كان الفقه الإسلامي التقليدي سباقا في هذه الأمور (مع الإشارة لوجوب إعادة النظر في أصول الفقه و قواعده التقليدية التى لم تحين منذ أكثر من 1000 سنة ، و ذلك لمصلحة بعض الأطراف السياسية والمذهبية أكثر منه لصالح الإسلام و المسلمين)، فالعلوم الأخرى المكتشفة حديثا مثل علم الاجتماع وعلم الاقتصاد و العلوم السياسية و غيرها ، يجب كذلك أن تؤخذ بعين الاعتبار لتنظيم الحياة بين الأفراد و المؤسسات. إلا إذا اعتبر السلفيون المعاصرون بأنه لا علم إلا العلوم الشرعية و كل العلوم الأخرى من الدرجة السفلى . و إذا كان أمرالتكامل بين كل العلوم يسبب عقدة فكرية و عقائدية بالنسبة للسلفيين فهذه مشكلتهم ، فالبنسبة للمسلمين المستترين لا تناقض في التشريع ولا في العقيدة. قبل 1000 سنة لم تكن للإنسان آليات وعلوم متينة يستطيع أن يقطع بها قراره أما الآن فبلى. وإدا أراد السلفيون أن يقبلوا النقاش في المسائل الاجتماعية و السياسية والاقتصادية وعدم الحديث عن الفصل بين الدين و السياسة كما يتوجس لذلك العلمانيون ، فعليهم بأن يقبلوا هم كذلك إشراك العلوم الأخرى والجدل فيها وإعادة القراءة والصياغة في أصول الفقه والشريعة. لأن كل العلوم تتآثر و تتكامل فيما بينها ، فلولا الرياضيات لما تطورت الفيزياء ولولا الفيزياء لما تطورت الفلسفة ولولا العلوم الدينية لما تطورت علوم الاجتماع و لولا المنطق لما تطورت العلوم الدينية. و المغالطة الأخيرة التي ختم بها الكاتب مقاله ، تلك الحرب الخفية ،على من لا يتفقوا معه في الرأي، كما فعل النبي موسى عليه السلام وهزم فرعون بإذن الله ، وكذلك سوف يكون المآل للذين يريدون أن يحذوا حذو العلمانيين المتطرفين أتباع فرعون، والسلفيون المتعاطفون مع حركة النهضة هم الغالبون إن شاء الله. وأخيرا و ليس آخرا كل المآخذ يجب أن تكون على حركة النهضة التي لم يكن لها موقف صارم من هذه الاراء ومواقف متشددة من هنا و هنالك، و عدم الرد على الذين يتكلمون باسمها و يمررون خطابات و مناهج و مواقف خطيرة على المجتمع. ولا ندري متى يكون لحركة النهضة موقف واضح و صريح في هذه المواضيع الحساسة ؟