صفاقس الصباح أثبتت دراسة علمية ميدانية جريئة أنجزتها الخبيرة الاقتصادية الشهيرة العميدة سلمى الزواري حول التنمية الاقتصادية المحلية بصفاقس الكبرى أنه وعلى الرغم من الصبغة الصناعية لولاية صفاقس فإن النسيج الصناعي بها عرف خلال العشرية الأولى من الألفية الثالثة عديد الاشكاليات أهمها تراجع في قدراته وان كان ذلك محدودا في عدد الشركات المشغلة لأكثر من 10 عملة وتراجع لقدراتها التشغيلية قياسا إلى المؤشرات الوطنية، فضلا عن تراجع عدد المؤسسات ذات التصدير الكلي بالجهة... وهي نتائج انعكست على حجم مساهمة الولاية في النسيج الصناعي وطنيا.وتعلل الباحثة ذلك بالتقلبات التي صاحبت ما عرف "بالانفتاح الاقتصادي" في غياب الآليات الحمائية للمؤسسة الوطنية بالجهة من المنافسة الأجنبية، كما أن الاستثمار الخارجي لم تكن صفاقس بالوجهة المحبذة له بفعل سياسات الاستثناء التنموي والتنفير، وفي حين فازت جهات أخرى بنسب متفاوتة من الاستثمار الأجنبي بقيت صفاقس عاجزة عن استقطاب المستثمرين الأجانب في القطاعات المعملية في ظل هشاشة نسيجها الصناعي، وحتى بعد الثورة ورغم انتصاب زهاء 63 مؤسسة استثمارية أجنبية جديدة حسب الخبير نور الدين زكري فإن جهة صفاقس بقيت خالية الوفاض في هذا الصدد وهذا ما يعيد الجهة إلى المربع الأول من مخطط الاستثناء التنموي والاستثماري سواء في الزمن البورقيبي أو خلال حقبة حكم نظام النوفمبري رغم ما يقال عن توفر كل المقومات الاستثمارية العالية بالجهة من روح مبادرة وعقلية استثمارية ومهارة حرفية وثقافة حب العمل وامتياز تربوي وتفوق معرفي للمؤسسة التدريسية بالولاية في المستويات التعليمية والبحثية الثلاثة.
الفلاحة في زحمة التقلبات
رغم خصوصيات صفاقس كجهة صناعية فإنها ظلت محافظة عل مستويات متقدمة من الإنتاج الوطني الفلاحي فهي الأولى وطنيا من حيث إنتاج زيت الزيتون بنسبة 30 % والأولى تصديرا لهذا المنتوج الغذائي ذي الجودة العالية بنسبة 45 % ورغم أن الجهة لا تمثل الأراضي الصالحة للإنتاج الفلاحي بها سوى 6% من عموم التراب الوطني الفلاحي فإن الأشجار المثمرة بها تمثل 20 %، و22% أصول الزياتين. ورغم إغلاق مصنع ستيل وما حام حوله من شكوك الفساد المالي والإداري والذي أذهب عن الجهة ريادة ما يعرف "حوض الحليب" الذي جعل مربيي الماشية بصفاقس الأكثر تضررا من أزمة الحليب سواء بفعل غلاء الأعلاف والتلاعب بتوزيع المدعم منها وهو ما اضطر عديد مربيي الأبقار بالعامرة وجبنيانة ومنزل شاكر والمحرس وغيرها إلى التخلص من قطعانهم بالبيع والذبح وبخسارة فادحة ومازالوا إلى اليوم ملتزمين ماليا تجاه عديد المؤسسات المالية والجهات البنكية والجمعيات التنموية الممولة وأغلب هؤلاء من الباعثين الشبان، على أن إغلاق وحدة ستيل لإنتاج الحليب والتفليس المتسرع والمدبر وبطريقة غامضة لهذا المصنع الذي لأصبح أثرا بعد عين وخربت بنايته وبيعت آلياته بطرق مشبوهة...كل ذلك خلق أزمة تجميع وترويج لذلك المنتوج الغذائي الحيوي والسيادي الذي تراجع إنتاج الجهة منه إلى 10 % وقد بلغ الأمر بالفلاحين من منطقة منزل شاكر حد إراقة منتوجهم من الحليب أمام مقر الولاية أسبوعا قبل الثورة المجيدة. ملف على غاية من الحساسية ارتبط آنذاك حسب المحللين بعملية بعث مؤسسة أقروماد الذي ارتبط اسمها بزوجة المخلوع بدورها تعاني أزمات متلاحقة تضطر المربين إلى بيع منتوجاتهم بأسعار زهيدة خوفا من الأزمات التي تبيد أسراب الدجاج خاصة صيفا بفعل موجات الحر غير المتوقعة ورغم هذه التقلبات تساهم الجهة بأكثر من 45 % من بيض الدجاج. البحر يجود بخيرات متنوعة من منتوجات الصيد البحري فتتربع الجهة على عرش إنتاجنا الوطني في هذا الصدد.. ولكن صيادي صفاقس ظلوا خلال حقبة حكم المخلوع الأكثر تمردا- إضرابات واعتصامات -نظرا للظلم المتعمد ببيعهم المحروقات بأسعار ملتهبة لا تعادل أسعارها في موانئ أخرى وهو ما رأوا فيه حيفا وظلما متعمدا وتضييقا مقصودا ليهددوا أكثر من مرة وخلال إرهاصات الثورة بحرق الميناء خلال اعتصاماتهم.. ورغم ذلك يبقى ميناء الصيد البحري بصفاقس في طليعة الموانئ الوطنية من حيث الإنتاج والتصدير لمختلف أنواع السمك وغلال البحر بنسبة 39 % من الإنتاج الوطني أما ملاحتا صفاقسوقرقنة فهما تستأثران بما نسبته 60% من إنتاج وتصدير الملح الغذائي على الصعيد الوطني. صفاقس تنتج 20 % من منتوجات الصيد البحري وتصدر 70% من منتجات البحر رغم تعدد وتفاقم أزمات التصحر والانجراد البحري التي يتسبب فيها صيادو الكركارة والكيس بخليج قابس التي لم تر إلى اليوم حلا يحمي التنوع البيولوجي والثروات البحرية، فلئن تراجعت عمليات الصيد بالكركارة بفعل الرقابة والراحة البيولوجية الإلزامية، فإن عمليات الصيد بالكيس المتعمدة التي تخترق أجهزة الرقابة الأمنية للحرس البحري على سواحل صفاقسوقرقنة مازالت تتسبب في صراعات وملاحقات بين بحارة أولاد فضة وبحارة قرقنة المتشبثين بتقاليد الصيد المحترمة لمقتضيات الاقتيات من البحر كمصدر أساسي للكسب ولقمة العيش الكريم وما يعقب ذلك من اضطرابات أمنية وتعطيل لرحلات عبارة اللود الرابطة بين صفاقسوقرقنة كشكل احتجاجي من هذا الجانب أوذاك.. وهو سلوك متكرر تصاعدت ممارساته قبيل الثورة وفي أعقابها. صفاقس عاصمة الزياتين التي تضم العدد الأكبر من أصول الزياتين والمعاصر وشركات التصدير مما أهلها لاحتضان البورصة الوطنية للزيتون بقرمدة وهو السوق الأضخم والأعرق بالبلاد إلا أن تدخل العائلة الفاسدة وأزلامها ومقربيها من لأصحاب المال والأعمال خرب هذا القطاع الذي لعب فيه ديوان الزيت دورا مشبوها.