بقلم: محمد دبارة سرد الكاتب في الجزء الاول حكايتين الاولى لسيدنا آدم وزوجته والثانية لستيف جوبز مشيرا إلى الرابط الذي يجمع بين الحكايتين وهو التفاحة ويعود في الجزء الثاني لذات الموضوع فيقول : لعل البعض أصابه نوع من الإلتباس عندما قرأ هاتين الحالتين، ولعله تساءل بينه وبين نفسه عن علاقة تفاحة آدم بتفاحة «جوبز»، والأهم عن علاقة التفاحتين بفوز الإسلاميين في الإنتخابات وإستلامهم زمام الحكم بشرعية انتخابية وشعبية جلية للعيان وهو الأمر الذي يمنحهما نوعا من الثقة وهم القادمون من فوز كاسح في أول انتخابات حرة ونزيهة في العالم العربي. لكن ليس كل ما يلمع ذهبا، وفوزهم في اكتساب أصوات ملايين الأصوات، وهو أمر جميل لا محالة ومدعاة لفخرهم، لكن هذا البريق الجميل لإنتصارهم يمكن أن يكون سببا في إصابتهم في مقتل، وفي صدمة لمن راهن عليهم، إذا فشلوا في تقديم اطروحات بديلة لنظم الحكم التي كانت ترتع في الدول التي حولوها إلى مزارع خاصة للأسر الحاكمة فيها. وهو ما يزيد في حجم المسؤولية التي يقدمون عليها دون خبرة لكنهم يتسلحون بمبادئ هي، ظاهريا، عين ما تطلبه الشعوب في حكامها وهي الثقة والأمانة وخشية الله في عباده. و هنا يكون مربط الفرس في حكايتي «تفاحة آدم « و«تفاحة جوبز»..فالإسلاميون اليوم أمام مفترق طرق، وهم أصحاب تركة ثقيلة ورثوها عن دكتاتوريات مستبدة، ولكن أهم من ذلك أنهم قد استلموا حكم شعوب منهكة، قانطة،ثارت على الإستبداد والظلم والجوع وتنتظر منهم حلولا واقعية في معيشهم اليومي وفي حريتهم وكرامتهم، ثم إنها، أي الشعوب، ليست متوحدة في الفكر والإعتقاد بل بينهم الإسلامي والعلماني وحتى الملحد، والوسطي والمتطرف والأشد تطرفا، كذلك بينهم المسلم والمسيحي واليهودي، وبينهم الممارس لدينه وغير الممارس، وكل هؤلاء وعلى إختلاف أفكارهم يجتمعون في انتظاراتهم من الحكام الجدد، وهذا الإنتظار هو خليط من التفاؤل والفرح والتشاؤم والخوف والثقة والشك. و لعل ما اتهم به الإسلاميون على مدى عقود من أن كل نظرتهم إلى الأمور إنما هي بنظرة «الحلال» و«الحرام» و»المسموح» و»الممنوع» وجل طروحاتهم تنحصر بين الوعظ والإرشاد ودعوة إلى الفوز بالجنة والنجاة من النار، وهذا الإتهام الأخير سيوضع اليوم موضع التجربة الحقيقية والمحك الصادق. فالأمر يختلف هذه المرة وموقع الحكم ليس نفسه موقع الإمامة أو الخطابة.و هم مدعوون اليوم إلى النظر قليلا إلى المستقبل وهو ما لا يكون إلا بالعمل الصادق والرؤية الواضحة وتقبل جميع الآراء والمواقف مهما كانت درجة الإختلاف معها، وكذلك تشجيع العلم والمعرفة وتوفير الأرضية الممهدة لذلك من خلال إقرار مبدأ الحريات الشخصية والإعتبار بالنتائج وليس النوايا أو المعتقدات. فكل الخطر أن يكون حكمهم بالوصاية والإملاءات ذات المرجعية الروحية التي، وإن كانت تجد لها صدى عند عموم الشعب، إلا أنها وحدها لا تكفي للتأسيس لفضاء مشجع للتقدم إن لم تكن مصحوبة ببرامج واضحة ودقيقة وذات أسس علمية تتجاوز تحديد المحظورات.ولو عدنا إلى حكايتنا الأولى والتي أخذناها كمثال عن «تفاحة» سيدنا آدم وكيف أن الله سبحانه وتعالى كان يعلم أن سيدنا آدم سيخطيء وسيأكل التفاحة المحرمة وسينزل إلى الأرض ليعرف ويتعلم ويصل إلى اليقين، ولو أراد لأباح له جميع ما في الجنة أو لمنع عنه الشيطان الموسوس لكنه حرم عليه وجعله يقبل على الحرام وهو المحكوم، أي آدم، بشهوة السلطة والخلود والرغبة في الممنوع. كذلك هم الإسلاميون اليوم يجب عليهم الإعتبار من أن السلطة زائلة وأنها لو دامت لغيرهم لما آلت إليهم، وأن التحليل والتحريم،خاصة المبالغ فيهما، إنما يشتت ذهن الأمة ويضيع جهودها في أمور هي في النهاية بين الخالق وخلقه، وأن الحكم الرشيد المبني على الإرشاد والتعليم والدعوة بالحجة والبرهان وخاصة بالتجربة وترك الحرية للفرد في معرفة الحدود المرسومة له داخل المجتمع الواحد، والإبتعاد عن الخطب العصماء والإجبار من خلال عنف غير مبرر بدعوى التكليف والواجب، وهي كلها أمور قد تعيد إلى أذهان الشعوب الدكتاتوريات الملبسة في ثوب الدين، وتجعل منها في موقع لا تحسد بعد تجارب مريرة مع إيديولوجيات أخرى مختلفة بين القومية والليبرالية واليسار.. إذا فملعب السياسة كبير، ولعنة الحكم عادة ما تلاحق من يتقلده وليس لأحد العصمة من الشعوب التي تسعى إلى كشف عورة حكامها حتى وإن وضعوا هالات على أنفسهم ليداروا بها سوؤاتهم، فقدر الشعوب دائما أن تتطلع إلى الأمام وعنوان التقدم هو مقياس الرضى، خاصة أن ما يرضي طرفا ربما لا يعجب طرفا آخر، ثم إن وقع المفاجاة التي أطاحت بالدكتاتوريات خلال سنة مازال لم يخفت بعد. ووضع الإسلاميين اليوم وهم يستعدون للحكم لا يختلف كثيرا في بلد أو آخر وهم الذين دفعوا إلى الصفوف الأولى وأصبحوا محط أنظار الجميع وبين صيحات تهليل وتكبير فرحا بهم وصيحات فزع تحذر منهم. لكن العبرة لن تكون فعلا إلا بالنتائج المرجوة منهم على مختلف الأصعدة السياسة والإقتصادية والإجتماعية،و ربما ما هو ابعد من ذلك من خلال إستعادة امجاد الأمة واسترجاع الصورة الناصعة التي كان عليها العربي- المسلم إلى وقت قريب، والتي،وللأسف، هان على الحكام المستبدين أن يرتضوها له وجعلوا منه عنوانا للتخلف والجهل والميوعة والإستقالة عن شؤونه وعزته وكرامته..فاليوم نريد أن يكون بيننا العديد مثل «ستيف جوبز» وأن نشجع العلم والعلماء، وأن نجتهد ونكد ونعمل ونشقى من أجل أطفالنا وأحفادنا، ومن أجل ديننا كما دنيانا،و أن نأخذ بجوهر ديننا الإسلامي في الحرية والعدالة والتسامح، ونريد أن نتجاوز الفتاوى الغريبة وتحريم للحلال وتحليل للحرام وتخويف وترهيب وتكفير وهي أمور إنما الإسلام منها براء.