بقلم: د. مصدق الجليدي سؤال كثيرا ما حيرني طيلة الأشهر الأخيرة وأنا أتابع وألاحظ ما يجري في العالم العربي والإسلامي من تطورات مثيرة أو خطيرة: هل من الحتمي تضارب مسار الممانعة مع مسار الثورات العربية؟ هل كان انتصار المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006 كذبة أم تهاو لأسطورة العدو الذي لا يقهر؟ هل تتمكن القوات الغربية الاستعمارية وحليفتها إسرائيل من إحياء مشروع الشرق الأوسط الكبير من باب الثورات العربية بعد أن تم إجهاضه من قبل محور الممانعة في حرب تموز 2006؟ هل مكتوب على العالم الإسلامي ألا يكتمل قمره الساطع بالتقاء هلال الممانعة بهلال الثورات العربية، كما تشتهي ذلك إسرائيل وحلفاؤها أمريكا وبريطانيا وفرنسا؟ لماذا تتراجع تركيا الآن عن نظرية «صفر مشاكل» في استراتيجية سياستها الخارجية؟ عندما توصلت تركيا منذ حوالي سنتين، إلى اتفاقات مهمة مع كل من إيران وسوريا ومصر، استبشرنا خيرا بوجود توازن سني-شيعي استراتيجي يتجاوز مخلفات الماضي وصراعاته ويعمل بروح المصالح الحقيقية لبلدان العالم الإسلامي، أما الآن فالمشهد أصبح مختلفا تماما ومحيرا حقا. هل من صالح تركيا واستقرارها وأمنها أن تؤوي لديها مجلسا عسكريا أعلى سوريا منشقا لقيادة العمليات العسكرية للجيش السوري الحر؟ وهل من مصلحتها معاداة جارتها الإسلامية إيران؟ هل من مصلحة استقرار العالم العربي اندلاع حرب إقليمية وربما كونية ثالثة تشمل سوريا وإيران ولبنان (حزب الله) والعراق (الفصائل الشيعية) والمقاومة الفلسطينية في مقابل إسرائيل وتركيا وقطر وربما السعودية وتشارك فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا؟ وأين ستتموضع مصر؟ والأردن؟ وما هو دور منظمة المؤتمر الإسلامي في ما يحدث الآن في هذه المنطقة من العالم؟ وهل فكر أنصار التدخل العسكري العربي في سوريا جيدا قبل المجازفة بتقوية جذوة نار الحرب الأهلية في هذا البلد العربي العزيز؟ هل طبقوا قوله تعالى»وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان الله يحب المقسطين»؟ هل استوفى فريق بعثة الجامعة العربية كل إمكان للصلح والحث على الإصلاح؟ لماذا في الوقت الذي يتمسك فيه هذا الفريق بمواصلة مهمته ويحتج على تشويه الحقائق على الأرض تستعجل أطراف معينة إنهاء مهمته والمرور عاجلا إلى الحلول الأكثر عنفا؟ هل يظن قادة المعارضة السورية (جماعة هيثم مناع) أن رفض التدخل الأجنبي وقبول التدخل العربي (خلافا للمجلس الوطني برئاسة برهان غليون الذي كثيرا ما ألح في طلب التدخل الأجنبي) هو بمنأى عن أي حرب بالوكالة عن إسرائيل وعن الحلف الأطلسي ضد سوريا لتسويتها بالأرض والقضاء على كل ما راكمته من مكاسب وطنية بفضل مجهود الشعب السوري طوال العقود الماضية؟ قد تكون غاية الدعاة إلى هذا الحل هي بالفعل حماية الشعب السوري من بطش النظام، وهذا بالتأكيد ما تفكربه المعارضة السورية، وربما البعض من دول الجوار، ولكن هل يعتبر أي تدخل عسكري عربي مشروعا في حال عدم مشاركة البلدان العربية الكبرى فيه: مصر والجزائر والعراق، هذا فضلا عن أن موقف السياسيين والزعماء العرب متضارب بشأن التدخل العنيف في الشأن السوري، ففي الوقت الذي يوافق على ذلك مثلا الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية- وهو نفسه الذي طلب سابقا تدخل قوات الحلف الأطلسي في ليبيا- ويراه «أمرا مهما جدا» حسب تعبيره، يعارض الرئيس التونسي المنتخب المنصف المرزوقي في مقابلة مع صحيفة الخبر الجزائرية «أي تدخل أجنبي مهما كانت صفته» موضحا أنه «إذا تدخلت أي قوة فهذا يعني اندلاع الحرب في كل المنطقة، ما سيفتح المجال لتدخل الجميع، تركيا وإسرائيل وإيران وحزب الله، ما يعني انفجار سوريا ومعها كل المنطقة، وعليه يصبح الأمر عملية انتحارية». وما نستخلصه من هذا على الأقل هو عدم وجود إجماع عربي للتدخل بالقوة في سوريا، وهو ما يفقد هذا التدخل شرعيته ! إن رغبة الشعب العربي السوري في الحرية والديمقراطية مطلب لا يماري عاقل في شرعيته، ولكن ليس من الضروري أن يتم ذلك باستنساخ أي مثال جاهز كالمثال الليبي الذي لا تخفى عيوبه الكبرى. إن عبقرية الشعب السوري لن تعجز عن ابتكار الحلول التي تحقق حريته دون اللجوء لاحقا إلى البحث عن تحرير أرضه من استعمار أخطبوطي معقد يقضي على إنجاز الحرية نفسه. إذن لا بد من تلازم مطلب الحرية ومطلب التحرر. أرى أن على تونس الصغيرة جغرافيا والكبيرة تاريخيا، خصوصا بعد نجاح ثورتها وتبوئها مكانة القدوة لبقية الثورات العربية أن تنشّط ديبلوماسيتها من دون ضجيج إعلامي للمساعدة على نجاح تجارب سلمية للثورات في العالم العربي كما في سوريا، بما لها من موقع محترم بين عدة أطراف في هذه اللعبة الدولية الخطرة جدا. فهل ستتحرك هذه الديبلوماسية بالتنسيق مع منظمة مؤتمر العالم الإسلامي ومع ليبيا ومصر والجزائر والعراق ولبنان وتركيا لإيجاد مخرج لهذه المعضلة العويصة والمشكلة القومية الخطيرة. أرجو أن تكون قادرة على ذلك، خاصة أنه مطلوب اليوم البناء على زخم هذه الثورات العربية لإنضاج بديل كوني عن العولمة الحالية انطلاقا من العالم الإسلامي. وهذا آخر ما تتمناه قوى الهيمنة بطبيعة الحال، ولكن للشعوب إرادة لا يملك القدر والتاريخ إلا أن يستجيبا لها !