بقدر ما أطاحت ثورة الحرية والكرامة بمنظومة الاستبداد والفساد وكنست مافيا السلب والنهب وطهرت بلادنا من عصابة الجشع والسطو وأزاحت كابوس الظلم والقهر، فإنها حررت الإعلام من قيود الوصاية والتدجين وشرعت أبواب حرية الرأي والتعبير وفتحت آفاق الإضافة والإبداع. ومن ثم فإن حرية الإعلام مكسب أساسي من مكاسب الثورة وركن ركين للبناء الديمقراطي التعددي لا مجال للتراجع عنه أو التفريط فيه بأي حال من الأحوال. وإذا كان الإعلام الوطني بمختلف مكوناته وتعبيراته بتحمل مسؤوليات جسيمة في تجاوز تركة الماضي الثقيلة وصيانة مكاسبه التي تحققت بفضل تضحيات الشهداء، فإن للإعلام العمومي في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ بلادنا ومن مسار الانتقال الديمقراطي دورا محوريا في تجسيم استحقاقات وأهداف الثورة. وانطلاقا من أن مؤسسات الإعلام العمومي هي مرافق عامة فإن ذلك يتطلب منها توخي الشفافية والحياد والموضوعية، والنزاهة وخدمة المجموعة الوطنية، كل المجموعة الوطنية دون محاباة أومفاضلة أو تمييز والإسهام في حماية مسار الثورة من كل انزلاق. ولما كان الإعلام العمومي إعلاما حرا تعدديا أولا يكون فإن ذلك يعني بالضرورة تحرره من كل أشكال الهيمنة والوصاية والولاءات وعدم خضوعه للتعليمات والتدخلات والإملاءات من أي جهة كانت. وتبقى المهنية والحرفية هي المرجع والمنطلق والمنتهى من خلال الالتزام بخط تحريري واضح المعالم والاستناد إلى معايير ومقاييس جلية متعارف عليها دوليا واعتماد منهج المصداقية وفسح المجال للرأي والرأي الآخر والوقوف على نفس المسافة من كافة الأطراف والفاعلين السياسيين ودرء كل محاولة مهما كان مأتاها لتوظيف الإعلام العمومي لمصالح حزبية ضيقة أو حسابات فئوية. وإذا كانت كفاءة العاملين في القطاع الإعلامي العمومي وتشبثهم بضوابط المهنة ومقاييسها وأخلاقياتها تظل ضمانة أساسية لمزيد النهوض بهذا القطاع وقطع الطريق أمام كل محاولة للرجوع به فإن تعزيز مقومات إصلاح الإعلام وتطوير أدائه والارتقاء به إلى مستوى متطلبات المرحلة القادمة يستدعي المضي قدما على درب الإصلاحات القانونية والهيكلية وتفعيل النصوص التي تم إقرارها وخاصة منها المتعلقة بالنفاذ إلى مصادر المعلومات وحماية الحق في الإعلام ومجلة الصحافة والنشر وإحداث الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري. وانطلاقا من أن حرية الإعلام جزء لا يتجزأ من منظومة الحريات العامة ومن أنها وثيقة الارتباط بالمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبكسب رهان الانتقال الديمقراطي فإن من مسؤولية كافة الأطراف والقوى الوطنية تركيز الجهود على ضمان أوفر حظوظ النجاح للاستحقاقات المصيرية المطروحة والتي ستشكل معالم بلادنا خلال العقود القادمة. كما أن للإعلاميين والحقوقيين والفاعلين السياسيين وكافة مكونات المجتمع المدني دورا أساسيا في تهيئة الأرضية الفُضلى لترسيخ قيم النظام الجمهوري والدولة المدنية وتكريس حق الاختلاف وثقافة الرأي والرأي الآخر من منطلق أنه لا يمكن لأي كان ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة ومن أن الرأي الصواب يحتمل الخطأ والرأي الخطأ يحتمل الصواب. الرئيس المدير العام لوكالة تونس افريقيا للأنباء