ابتدع الجيش الروسي منذ عقود لعبة «الروليت» حتى يتحدى الجنود بعضهم البعض ويبرز كل واحد منهم مدى شجاعته. في لعبة الحظ المميت يشحن المسدس برصاصة واحدة ثم تدار الإسطوانة مرات عدة إلى حين يصعب فيه تحديد مكان الرصاصة فيصبح بذلك احتمال الموت واحدا من ستة، ولكنّ اللعبة الروسية القديمة لا تبدو في السياسة الخارجية الأمريكية مسألة حظ فقط. فعندما يصوب اللاعب المسدس نحو رأسه ولا تخرج منه رصاصة يكون بذلك قد تجنب موتا محققا وأثبت لبقية اللاعبين شجاعته وقدرته على تحديهم، أما أمريكيا فإنّ الطلقات البيضاء ليست متروكة للصدفة فهي فقط فشل مفتعل تحقق من خلاله السياسة الخارجية الأمريكية هدفا استراتيجيا أبعد. وتبرز نجاعة الطلقات البيضاء خاصة في السياسة التي تعتمدها واشنطن تجاه سوريا، فلم تتوان عن فرض العقوبات الاقتصادية وتضييق الخناق الدبلوماسي، مع أنّها تدرك جيّدا أن دعائم النظام لن تنهار من الخارج بل تتطلب تفكيك عناصر قوته من الداخل. ولا يبدو أنّ واشنطن ستضطر في الحالة السورية إلى إطلاق الرصاصة الحقيقية باعتبار أنّها بدأت تجنح نحو سياسة «تهدئة اللعب» وترتيب الأوراق، لكنّها في الوقت ذاته لا تمانع من الاستفادة من دور الرصاصات البيضاء إعلاميا ودبلوماسيا وجني ثمار الرعب الذي تلحقه بالنفوس، هي تحاول أن ترج الأرض من حول الأسد وحلفائه، لكنّها قد لا تدفع بالأمور نحو التدخل المباشر وحتى وإن فعلت تكون رصاصة التدخل تلك «محمودة العواقب». إنّ سيناريو ما بعد نظام الأسد يجهّز على نار هادئة كغيره من السيناريوهات التي نفذت أو بصدد التنفيذ، وليست الرصاصة الأخيرة من مسدس الروليت في الحالة السورية سوى حل جذري قد تستخدم فيه القوة أو المساومات بيد قطرية أو تركية. فالحسابات الإستراتيجية متداخلة والمسدس الأمريكي قد أطلق رصاصات بيضاء كثيرة نحو إيران وسوريا وهو يدرك جيدا أنّ التشويق وتوقع الأسوإ سيولد الارتباك ويخلط الأوراق وبذلك تحقق الطلقات البيضاء أكثر بكثير مما يمكن أن تصنعه الرصاصة الحقيقية.