في ظل مرحلة اتسمت بقدر من الضبابية سياسيا وتوترات اجتماعية أثرت كثيرا على المناخ الاقتصادي العام في البلاد يتنزل اللقاء الذي جمع أول أمس رئيس الحكومة المؤقتة بقصر الحكومة بالقصبة بقيادات الأحزاب الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي. وتأتي هذه المبادرة السياسية الأولى من نوعها بعد مباشرة الحكومة الحالية مهامها في محاولة لتحقيق الأدنى من التوافق حول عديد القضايا الشائكة وأبرزها مسألة البطالة.. والاعتصامات العشوائية.. والوضع الاقتصادي الصعب.. والواقع الإعلامي المتردي والتوترات الاجتماعية والأمنية الحادّة في بعض الأحيان. وإن لم يتمخض هذا اللقاء عن برنامج عمل مشترك أو خطة محددة لكيفية التعامل مع هذه الملفات، فإن مثل هذه المبادرة تعتبر فاتحة لعمل تشاوري مشترك بين الحكومة والحساسيات السياسية ومكونات المجتمع المدني لتقريب وجهات النظر حول هذه القضايا الشائكة والتفاعل معها بقدر من المسؤولية بعيدا عن التجاذبات والمزايدات أو فرض سياسة الأمر الواقع. إن الأوضاع الحرجة التي تمر بها البلاد حاليا تتطلب جهود كل القوى السياسية الفاعلة على الساحة لتشخيصها والبحث في سبل معالجتها لأن التردد في تناولها أو تأجيل الحسم فيها أمر قد يزيد في حدّة هذه التوترات ويعمّق أزمة مستفحلة أصلا قد تكون نتائجها غير محسوبة. وهذا اللقاء التشاوري الذي يعتبره البعض غير ذي علاقة بمستجدات الأحداث على الساحة الوطنية بل هو مرتبط بقرار اتخذ سابقا حسب ما ذكره بعض الحضور قد يجانب الحقيقة خصوصا أن الارتباك الذي اتسمت به الحكومة في التعاطي مع العديد من الملفات العالقة بدا جليا للعيان كما أن سياسة التلكؤ عندما يتطلب الأمر الحسم في بعض المسائل الجوهرية والحساسة غير خفية. وإلى جانب هذه الضبابية في الداخل فإن بعض الملاحظين يرون أن حضور الوفد التونسي ملتقى دافوس الاقتصادي العالمي مؤخرا كان باهتا فخلافا لما كانت تترقبه تونس من وعود لمساعدة الاقتصاد الوطني الصّعب بدا أن مسالة الحريات وحرمة المؤسسات الجامعية والتعددية الاعلامية وحقوق الإنسان قد أخذت حيزا هاما خلال هذا الملتقى الدولي بشكل يوحي بأن مساعدة تونس للخروج من هذه الأزمة مرتبطة إلى حدّ بعيد بمزيد الديمقراطية والانفتاح والالتزام بحرية الرأي والتعبير واحترام الحقوق والمبادئ الكونية.