محمد الطوير بين الوعود والتعهدات المقطوعة، وتجسيمها وتكريسها على أرض الواقع، يبدأ الاختبار الصعب للحكومة الائتلافية الأولى في تونس بعد الثورة التي عصفت بحكم الطاغية بن علي وأطاحت بزمرة نظامه الفاسد. نقول هذا بعدما كشف السيد حمادي الجبالي في البيان الذي قدمه باسم حكومته أمام المجلس الوطني التأسيسي لنيل ثقته عن برنامج سياسي نظري ومغرق في الضبابية، الأمر الذي أشار إليه العديد من النواب داخل المجلس، رغم شموله لنقاط كثيرة تحظى بتوافق على غرار النقاط المتعلقة بالشهداء والجرحى والتشغيل والشباب والمناطق المهمشة والسبل الكفيلة بإيجاد الحلول اللازمة للوضع الاقتصادي المتردي.. إذ اكتفى بالعموميات في الغالب دون استناد إلى أرقام ومعطيات ملموسة للأهداف والآليات الناجعة لتحقيقها، لا سيما على مستوى التمويل. قد لا نجادل بخصوص حسن النوايا المعبر عنها ومصداقيتها، بيد أنه لا بد من التأكيد على أن ما ينتظره غالبية التونسيين وبصورة ملحة الآن هو إجراءات عملية مدروسة تقطع تماما مع الاجراءات التي كانت معتمدة في العهد البائد، للنهوض بالبلاد وإخراجها من الأزمة الخانقة التي تعاني منها في شتى المجالات -وخصوصا الاقتصادية والاجتماعية- في إطار الشفافية الكاملة، الأمر الذي يفرض توضيحا مسبقا لكيفية تمويل إنجازها ومدى تأثيرها على التوازنات المالية للبلاد. إن التحديات المطروحة كثيرة وكبيرة، بدءا بإيجاد حلول للبطالة المتفاقمة والحد من ظاهرة التهميش والفوارق في التنمية بين جهات الجمهورية المختلفة من أقصاها إلى أدناها، وتحريك عجلة الاقتصاد عبر فرض استتباب الأمن والحد من تفشي ظاهرة الاضرابات العشوائية، الطريق الوحيد لاستعادة ثقة المستثمرين الوطنيين والأجانب على حد سواء، وكلها تفرض إعادة الاعتبار لهيبة الدولة وسلطة القانون. ولا شك أن المطلوب في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة من كل التونسيين سواء كانوا أفرادا أو أحزابا أو تنظيمات مجتمع مدني أن يتكاتفوا ويترفعوا عن مناكفة الحكومة الجديدة لمجرد غايات سياسية ضيقة، مع البقاء في حالة يقظة دائمة للحيلولة دون أية تجاوزات أو محاولات للقفز على مصالح هذا الشعب. فمصلحة تونس والحفاظ على مكتسبات ثورتها ينبغي أن تظل هي العنوان الأول والأخير.