منجي بن أم هنة - قدّم الكاتب في الجزء الأول من مقاله بسطة عن العلاقة التاريخية التي تجمع بين تونس وقطر مختتما بالتذكير بالهجرة الهلالية من جزيرة العرب الى شمال افريقيا وخاصة تونس مذكرا بأشهر القبائل العربية التي انتقلت إلى ديارنا في القرن الخامس الهجري ..وفي الجزء الثاني يواصل الحديث عنها فيقول: اندمجت القبائل العربية في النسيج الاجتماعي للبلاد التونسية منذ أواسط القرن السادس هجري، وشاركت في الحروب والفتوحات والصراعات السياسية والعسكرية التي قامت في المنطقة وفي حوض المتوسط، وكان لها الأثر الحاسم في تعريب اللسان والعادات بتونس. ولقد سبقها في ذلك الدولة الأغلبية التي أسسها إبراهيم بن الأغلب ، الذي تنتمي أسرته إلى قبيلة تميم التي نزلت في خراسان منذ الفتح وساهمت في ظهور الدعوة العباسية. ظلت القيروان على امتداد أكثر من أربعة قرون، من العهد الأغلبي إلى العهد الموحدي مرورا بالعهدين الفاطمي والصنهاجي، أولى المراكز العلمية في المغرب العربي تليها قرطبة في الأندلس، ثم فاس في المغرب الأقصى، إذ تأسست بها أول جامعة للعلوم و الترجمة أطلق عليها اسم «بيت الحكمة» التي نافست بيت الحكمة الذي أسسه أبو جعفر المنصور ببغداد، وأشعت على ما حولها من أقطار المغرب العربي، ثم تجاوزته إلى ضفتي المتوسط الشماليتين، بالأندلس وصقلية. ومع مرور الزمن تشكلت قبائل وعروش كبيرة، نذكر منها عروش جلاص المتمركزة بجهة القيروان, وأولاد يعقوب بالجنوب ونفات بين صفاقسوقابس، وبنو زيد بجهة الحامة من ولاية قابس، والكعوب بالوسط، والهمامة بجهتي قفصة وسيدي بوزيد، والحمارنة بالوسط وقابس، وأولاد دباب بتطاوين، والمثاليث بولايتي صفاقس و المهدية، وأولاد سلطان وأولاد سليم بالوسط التونسي، والمرازيق بجهة دوز من ولاية قبلي. وتعود كل هذه العروش إلى قبيلة سليم القيسية. كما برزت قبيلة دريد الكبرى، قبيلة الجازية الهلالية « المرأة التي صنعت تاريخ الرجال» ، المتفرعة عنها عروش مناع، وجوين، وعرفة، ورزق، وأولاد موسى، وأولاد عباس، وأولاد فتوح، وأولاد قاسم، وأولاد خليفة، ...إلخ المستقرين خاصة بولايات باجةوالكاف وجندوبة، وقبيلة رياح المتفرعة عنها عروش الصميدية، والدعابجة، وأولاد الأمير، وأولاد سيدي عبد النور، والمحامدية، والخرايصية، والعبادلية، و المساعيد،...إلخ المتمركزين خاصة بولايتي باجة و الكاف. وتعود كل هذه العروش إلى قبيلة هلال القيسية. كما توجد بطون و عائلات كثيرة من هذه العروش بالعديد من الجهات التونسية وخاصة بالشمال نتيجة للاستيطان بحثا عن الماء والمرعى، و نتيجة العمل لدى الفلاحين الكبار، الذي كان معظمهم من العاصمة في القرنين الثامن والتاسع عشر و بدايات القرن العشرين. ثم نتيجة النزوح المكثف بعد الاستقلال إلى العاصمة و المدن الكبرى وخاصة على إثر فشل برنامج التعاضد في الستينيات من القرن الماضي، وتوجه المستثمرين في بداية السبعينيات إلى الصناعات التحويلية و حاجتها إلى اليد العاملة وكذلك نتيجة الدراسة بالجامعة و الزواج بين أبناء هذه العروش و بنات عائلات مستقرة ببقية مناطق الجمهورية خاصة بالوطن القبلي والشمال الشرقي و الساحل و صفاقس وجربة. تمتاز كل هذه العروش بعدم قبول الضيم، والثورة على الظلم ، فقد كان لها دور بارز في مقاومة الاستعمار الفرنسي بقوة السلاح، إذ شكل أبناؤها النسبة الأكبر من المجاهدين»الفلاقة»، علي بن خليفة النفاتي، قائد أول ثورة حقيقية في وجه الاستعمار الفرنسي، و محمد الدغباجي الزيدي بطل معركة «خنقة عيشة» الشهيرة، والأزهر الشرايطي الهمامي، الذي احتفلت فرنسا بشارع الشانزيليزي بخبر قراره وقف إطلاق النار، أبطال من نسل أبطال، فلا غرابة أن تنطلق ثورة الحرية و الكرامة من تلك الربوع، لتعم بعد ذلك كامل أرجاء تونس. عود على بدء لم أقصد بهذا المقال إجراء بحث تاريخي بالمعنى المعروف للكلمة، فللتاريخ رجاله من المختصين والمؤرخين، و لكنها محاولة لتسليط الضوء من زاوية أقف فيها و التاريخ من ورائي يحدث عن مآثر الآباء و الأجداد، و يحث على عدم التفريط فيها، عشتها بكل جوارحي بمناسبة زيارة أمير دولة قطر إلى تونس، و قد ساءني ما جوبه به من قبل شريحة من الشعب التونسي، لعلها لم تدرك أنها قصرت في إكرام ضيف عزيز من أبناء عمومتنا، و قد جاءنا معزيا في شهداء ثورتنا ومواسيا لجرحاها. فالضيف عند الكرماء- والشعب التونسي كذلك- يُستقبل ساعة حضوره بالحفاوة و الترحيب، وبكل ما يرغب فيه ويحبه، فليس من عادات العرب أن تحاسب أو تعاتب ضيوفها وقت القدوم، بل تستنكف من ذلك و تعده تقصيرا كبيرا في حق الضيف، فلا يجوز للكريم إظهار الغضب أو الامتعاض في وجه ضيفه، فضلا على الهتاف و التجمهر في طريقه، بل يؤجل ذلك إلى حين لقائه في مكان محايد فيلام و يعاتب ألم يقل حاتم الطائي،سيد الكرماء : أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمحل جديبٌ وما الخصب للأضياف أن يكثر القِرى ولكنما وجه الكريم خصيبٌ فما بال بعض الناس، ينكرون فضلا لغالبية الشعب التونسي عندما هب لاستقبال ضيفه وإكرامه؟ ثم ما بالهم ينكرون على الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني التميمي؟ سليل هذه القبيلة العربية الكبيرة، عندما يزور إخوته وبني عمومته القيسيين في تونس لمشاركتهم فرحتهم بنجاح ثورتهم، و يبدي استعدادا لا مشروطا و لا محسوبا لمساعدتهم، على عادة أجداده في الكرم وإعانة ذوي الحاجات. وفي النهاية، و حتى لا يفهم هذا الحديث على عكس ما قصدته، فانه يبقى من حق الشعب التونسي أن يتساءل عن عدم تسليم قطر لصخر الماطري، أحد رموز الفساد بتونس ما قبل الثورة، وهو سؤال مشروع... ولكن تلك قصة أخرى. انتهى خبير محاسب- جامعي