وُلد علي بن خليفة النفاتي سنة 1807م وتوفي سنة 1885م ويرجع نسبه الى قبيلة «نفات» المنحدرة من قبيلة بني سليم النجدية العربية القادمة الى بلاد شمال افريقيا مع الزحف الهلالي ينتمي الى عائلة «أولاد خليفة» التي تولت حكم القبيلة على امتداد القرون الاربعة التي سبقت الاستقلال. ترقى على المستوى الاداري حتى صار واليا اما على المستوى العسكري فيذكر المؤرخون انه وصل لأعلى رتبة عسكرية في الجيش التونسي (أمير لواء)، وقد ولى الباي الشيخ علي بن خليفة ولاية عدة مناطق هامة آخرها «الأعراض» حيث أدركته الحماية الفرنسية. لم يتردد النفاتي في خلع بيعته للباي بمجرد توقيع هذا الأخير على معاهدة الحماية الفرنسية وأطلق مقولته الشهيرة على الملإ في مقر حكمه بمدينة قابس: «الآن أصبحت طاعة الباي كفرا» والتي كانت إيذانا بانطلاق الثورة ضد الغزاة الفرنسيين والباي وأعوانه معا. لقد بدأت اولى خطوات ثورة الشيخ علي بن خليفة بمرحلة الاعداد لها حيث بادر قائدها الى جمع المجاهدين من مختلف القبائل وتنظيمهم في إطار موحد وهو ما لم يكن سهلا حيث كانت النزاعات القبلية هي الطاغية كما كانت محاولات الباي جارية بإيعاز من سلطات الحماية الفرنسية لاستقطاب زعماء القبائل الى جانبه بذريعة ان مصلحة البلاد كانت تقتضي التوقيع على معاهدة الاحتلال. بادر بتسليح كل من يقدر على حمل السلاح من أبناء قبيلته «نفات» وإعدادهم لخوض غمار الحرب وانطلق في حرب عصابات لمواجهة الفرنسيين فقد مرّ الشيخ بمدينة صفاقس يوم 15 جوان 1881. وبعد عشرة أيام فقط اعترض الشيخ طريق فيلق عسكري من الحامية التونسية قام بإبادته بعد معركة قصيرة بأرض «المهاذبة» جنوبصفاقس وهو في طريقه الى مقر قيادته في «دار الفريك» في قابس. واستطاع الشيخ علي اثر هذه المعركة توسيع قواته لتشمل فرسانا من قبائل أخرى وفي 2 جويلية 1881 تحرّك الشيخ علي بجيش متواضع التجهيز لنجدة مدينة صفاقس الثائرة حيث امسى قادة مقاومتها يعترفون بإمارته لشعورهم بسيطرته المطلقة على القبائل البدوية. وعلى الرغم من عدم تكافؤ القوى فقد تمكن الشيخ علي بن خليفة من قيادة معارك باسلة اظهر خلالها قدرات عسكرية فائقة وبطولات حيّرت الضباط الفرنسيين الذين كانوا يقودون الحملة مما حدا بالمؤرخ الفرنسي «مارتال» الى القول في كتابه «حدود تونس الصحراوية الطرابلسية»: «إن فرسان الشيخ علي الابطال قد وقفوا سدّا منيعا امام الجيش الفرنسي بمدافعه وتجهيزه الحربي الكبير حيث اضطروه الى القبوع في مواقعه والاحتماء بسفنه 15 يوما ولولا وصول المدد ونفاد الذخيرة عن المجاهدين لكانت أحواز صفاقس مقبرة للفرنسيين ولانقلبت الآية لصالح الثورة في المعركة التي انتهت يوم 17جويلية 1881». وبعد خسارته معركة صفاقس اضطر الشيخ علي الى التوجه لمنطقة «ودران» جنوبالمدينة حيث قام من هناك الى تجديد اتصالاته ببقية جبهات المقاومة كما قام بارسال حملة تكونت من خمسمائة فارس وألفين من المشاة الحقت خسائر كبيرة بممتلكات الباي في العاصمة وعادت بألف رأس من الإبل دون ان تتمكن القوات الفرنسية من تتبعها. وقد خاض الشيخ علي بن خليفة معركة أخرى دامية من أجل فك الحصار المضروب على مدينة قابس، التي قامت القوات الفرنسية بعملية انزال كبير في مينائها واستمرت في قصف المدينة من البحر بالمدفعية لأيام طويلة وقاد ذلك الى سقوط ما يزيد عن 50 شهيدا يوم 31 جويلية 1881 دفاعا عن مقر الشيخ المعروف ب «دار الفريك» الذي تم تدميره بالكامل. ورغم مرارة الهزيمة في صفاقسوقابس لم ييئس الشيخ علي بن خليفة وأصرّ على ان تواصل الثورة غليانها بالاعتماد على ثبات المجاهدين وقدراتهم الذاتية... ففي منتصف اكتوبر 1881 تقدم الشيخ الثائر بقواته شمالا الى أن وصل القيروان، لكنه اضطر في منتصف شهر نوفمبر 1881 الى الزحف نحو بلدة «وذرف»الجنوبية، ليتخذها مقرا جديدا لقيادته العسكرية ويقود من خلالها آخر معارك الدفاع عن قابس وضواحيها وذلك قبل سقوطها بشكل نهائي في ايدي القوات الفرنسية. وإثر سقوط مدينة قابس انسحب «العجوز المتمرد» بصمت نحو ليبيا رافضا العيش يوما واحدا تحت سلطان القهر ومات وهو ممتطيا صهوة جواده سنة 1885 وكان يأمل في ان يأتيه المدد من فرسان القبائل لمواصلة المقاومة. ٭ نبيل العمامي المراجع: 1 صراع مع الحماية: محمد المرزوقي الدارالتونسية للنشر والتوزيع 2 حدود تونس الصحراوية الطرابلسية: شارل مارتال دار غاليمار.