- لئن كان الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تشهده تونس منذ اندلاع الثورة امرا عاديا،فإن تعاطي النخب ،الحاكمة او المعارضة، مع المسار الديمقراطي واستحقاقاته، يتطلب التوقف عنده،في محاولة للوقوف عند بعض المثبطات،سيما ان الجميع،يعتبر في طور تعلم الممارسة الديمقراطية الناشئة. المتابع لمواقف جزء من المعارضة،يلاحظ انها غير مقتنعة باداء الحكومة،لمآخذ عديدة، يمكن ان نذكر منها : الوقت الذي استغرقه تكوين الفريق الحكومي ؛ عدم توسيع المشاركة في الحكومة لتشمل الكفاءات المتمرسة؛ إنعدام الدقة في الخطاب،سيما حول المسائل الاجتماعية والاقتصادية،وهو تساؤل يجد وجاهته في تبني الحكومة لمشروع ميزانية اعدته الحكومة السابقة. كذلك يؤخذ على الحكومة عدم تعاملها بالصرامة المطلوبة،مع ظاهرة العنف ومع سلوكيات السلفية،كما يعاب عليها ضعف ادائها الاعلامي. هذه بعض علامات الاخفاق التي تركز عليها النخب غير الراضية عن اداء الحكومة،وربما يتنزل في هذا السياق مبادرة الباجي قائد السبسي،التي اثارت ردود فعل عديدة. في المقابل،فإن الحكومة لم تستسغ ان تتم محاسبتها ، قبل ان تأخذ فسحة للعمل،وهي مدة الاشهر الستة التي كان طالب بها رئيس الدولة المنصف المرزوقي،وهو تقليد معمول به في الديمقراطيات. على صعيد آخر ورغم ان عامل الوقت مهم للغاية،فإن الحكومة خيرت ان تدير ازمة الاعتصامات والاحتجاجات عن طريق الحوار،في مسعى الى اقناع الجميع بإرتباط انطلاق المشاريع الاقتصادية -ومن ثمة استحثاث عجلة النمو فالتشغيل-، بتوفر الاجواء الامنية.إلا ان هذا التمشي قد يتضمن مخاطر عديدة ليس اقلها ضياع مصالح الناس، والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. هذا التدافع،بين النخب الحاكمة والنخب المعارضة محمود،بل مطلوب طالما تم باسلوب حضاري، و طالما ابتعد قدر الإمكان عن الجدل العقيم ،من نحو تقسيم البلد الى مجتمعين: مجتمع حداثي وآخر لا يزال يعيش في القرون الوسطى . وعلى الحكومة ان تظهر قدرا كبيرا من الاستماع والتعاطي بإيجابية مع الرأي المخالف،ولكن على النخب المعارضة ان تعي ان الرأي العام الوطني،اصبح ومنذ الثورة المباركة،اكثر انتباها واكثر اهتماما بالشأن العام،وان له ميزانه الخاص لتقييم اداء نخبه،لانه وكما قال رئيس امريكا السابق: «قد تستطيع مغالطة البعض من الناس الى ما لا نهاية له،وقد تستطيع مغالطة الجميع الى اجل محدود،ولكنك لن تستطيع مغالطة الجميع والى الابد». من مكاسب الثورة،انها اتاحت اجواء من الحرية،شجعت على الجدال بين الفرقاء،وتقع على النخب الحاكمة مهمة الاجابة عن ما يوجه لها من نقد او لوم،ولكن مهمتها ايضا ان تحقق النتائج المتعلقة بعهدتها،ومن هنا تاتي ضرورة بعث اشارات قوية،وهو مطلب يتكرر ويصدر عن اكثر من جهة.كما ان الحكومة مطالبة بأن تثبت قدرتها على الابحار في اجواء ،صبغتها الغالبة هي عدم الاستقرار وعدم التوقع. فالحكومات تسأل على ما تحرزه من نتائج لا على حسن نواياها. ولعل من اسباب طمأنة الرأي العام،ان يرى نخبه سواء اكانت حاكمة او معارضة معلّية من شأن قيمة الشجاعة والنزاهة ،بعيدا عن محاكمة النوايا او الهروب الى الامام. في بداية هذا المسار الديمقراطي في بلدنا،يحتاج الرأي العام الوطني الى اشارات قوية،تترجم شعار: «نعم بمقدورنا ان ننجح» ولكن هذا الطلب المشروع والذي تتحمل الحكومة القدر الاكبر من مسؤولية تحقيقه،لا ينبغي ان ينسي ثقل التركة: فالبلد الذي افاق على حصيلة ان هناك فقيرا من بين كل اربعة مواطنين،وان هناك شابا عاطلا عن العمل من بين ثلاثة شبان،وان معدلات «جيني «حول توزيع الدخل تضعنا في مرتبة لا نحسد عليها،اضف الى ذلك ثقل المديونية،وتراجع مؤشرات التنمية البشرية،هذا البلد الذي انتج ثورة عظيمة وفريدة لا يمكن ان يعول على عصا سحرية ،لتغيير احواله بين عشية وضحاها.ولكن من حقه ان يحلم،ومن واجب نخبه ان لا تخذله، ولعل هذا ما يفسر تفاؤله الذي كشفت عنه عمليات سبر للآراء،وهو»اكتشاف»صدم البعض. وربما سيكون هذا التفاؤل بالمستقبل احد عوامل نجاح الثورة, يتطلع التونسيون الى جني ثمار ثورتهم في اقرب الآجال وهذا امر مشروع،رغم ان تاريخ الثورات يثبت انها لم تحقق اهدافها الا بعد عقود من الزمن.اذا كان من البديهي ان لا يكون مسار الثورة خطا مستقيما،فإن من حق الشعب على نخبه،ان تتعامل معه بما يليق بالشعوب الذكية وان لا يكون وضع العربة امام الحصان احد الخيارات المطروحة. نقابي