"قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ، فَبِذَلكَ فَلْيَفْرَحُوا" تلك هي الآية الكريمة التي يستند لها الذين يعتبرون أن الاحْتِفال بالمولد النبويّ مسألة مشروعة لان الاحتفال في النهاية هو تعظيم لشعائر الله ومناسبة للصَّلاةِ على النبيّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وفُرصة للتعبير عن محبَّته وتأكيد لقوله عليه الصلاة والسلام: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكونَ أحبَّ إليه مِن نَفسهِ وَمَاله وَوَلدِه وَالنَّاسِ أَجمعين". والاحتفال بالمولد النبوي الشريف على الطريقة المدنية يعود تاريخه إلى سنة 1929 حيث دأب الشيخ محمد المدني (1888/1959) في الزَّاوية العَلَوَيّة بمستغانم بالجزائر على الاجتماع بالفقراء (المريدين) والمنتسبين والضيوف في مجالس الذكر والمذاكرة وقراءة القرآن وتَدارس السيرة المحمدية، إضافةً إلى التواصل بين أتباع الطريقة فيما بينهم وبين شيخهم لاستلهام معاني السلوك والسَّيْرِ. ومن خصوصيات أهل الطريقة المدنية في احتفالهم بالمولد النبوي الشريف منذ ما يناهز المائة عام حسب ما كتبه الأستاذ بدري المدني: "أنها عندما تُجدّد فرحتها بذكرى المولد تَجعل منها وسيلةً لا غاية وطريقًا إلى هدف إذ تعيد إلى أذهان الفقراء وقلوبهم من جديد بَيعَةً صادقةً مع رسول الله وذلك عَبر الخطب المولدية التي بدأ بإلقَائِهَا سيدي الشيخ محمد المدني سنة 1943. وفي حلقات الذكر هذه تُنْشَد القَصائد المدحيَّةُ للحَضْرَة الإلهيّة والحضرة المُحَمَّديّة. فتكون فرصة لأصحاب الصوت الحسن مثل المرحوم الشيخ المقرئ عَليّ البَرَّاق الذي أحْيى احتفالاتِ سنة 1929 وفقراء مدينة صفاقس مثل الشيخ سيدي الحاج الطاهر عبد الهادي، وسيدي محمد تقتق، وسيدي المنصف الزكري، سيدي المداني عبد الهادي، سيدي مراد شبشوب، وسائر فقراء السواسي وخصوصًا الإخوة بن سعيد وغير هؤلاء كثيرٌ. وَيواصَلَ حاليا الشيخ منور المدني السهر على ان لا تندثر الطريقة المدنية بالسير على نفس نهج سيدي الشيخ محمد المدني سنة 1943 وبالصمود امام كل التيارات السياسية التي منعت في وقت من الأوقات احتفالاتها في مدينة قصيبة المديوني بالساحل التونسي حيث انقطَعَت الاحتفالات منذ سنة 1958 لأسبابٍ سياسية وبَدأت تستأنف بشكل مُصَغَّرٍ يوم 28 ماي 1969. وبمرور الزمن شهدت مراسم الاحتفال اتساعًا مُطَّردًا من حيث الحضور ومن حيث الإضافات والتجديد والتطوير لتعرف الاحتفالات إلقاء محاضرات ودروسًا علميةً ذاتَ صلة بهذا الحدث مثل: الأبعاد الحضارية للتصوف، الشمائل المحمدية، التوسّل ودعائمه، إضافة إلى تنظيم مسابقات علمية حول الفقه والعقيدة وتنظيم المعارض وعرض أشرطة وثائقية حول تراجم الفقراء وطبع الكتب وتوفير الأشرطة السمعية البصرية لخلق حركية معرفية تثقيفية. كما واصل الشيخ منور المدني إلقاء خطب المولد منذ سنة 1979 إلى اليوم وهي خطب تُطبَع وتُوَزَّع على الحاضرين ويلخص مضمونها في أربعة أبعاد: 1 - ترسيخ المعاني الصافية للتصوف. 2 - التعرض للسيرة النبوية في أجمل تجلياتها. 3 - تَناول رَقَائقَ من حياة الأنبياء أو أمهات المؤمنين أو الصحابة ومن يليهم. 4 - إرسال بشائر الرحمات للمسلمين. واحتفال الطريقة المدنية اليوم لن يختلف عما عهده مريدوها والمتعودون على متابعة فعاليات احتفالها بالمولد النبوي الشريف بالزاوية المدنية بقصيبة المديوني كعهدها منذ أكثر من 80 سنة. تنطلق الاحتفالات على الساعة الثامنة صباحا بتلاوة القرآن الكريم وبعرض أشرطة وثائقية تتضمن السير الذاتية لأتباع الطريقة المدنية. وتشفع بثلاث مداخلات عن "حسن الاستماع للسماع".. تقديم سيدي المنصف الولهازي. وشرح حكمة للشيخ محمد المدني تقديم سيدي فيصل الغربي. و"الحضور والظهور" تقديم سيدي سالم الزينة. ومباشرة بعد صلاة العصر ينطلق الجزء الثاني من الاحتفال بالمدائح والأذكار وعلى الساعة التاسعة والربع ليلا يتولى الشيخ منور المدني إلقاء خطبة المولد والتي تتمحور هذه السنة حول آداب الفقير (المريد) ومقام الذوق وسيرة الصحابي الجليل "ذو البجادين" ولطائف من الإسراء والمعراج ثم تختم بالدعاء.