في خضم انشغال العواصم العربية والاسلامية وكثير من الساسة في المنطقة بنزاعات هامشية، شهدت الايام القيلة الماضية حدثين كبيرين لهما أبعاد استراتيجية: مناوشة كلامية «من النوع الثقيل» بين مبعوث الرئيس الروسي ووزير الخارجية القطري في الاممالمتحدة، وحديث صحفي أدلى به «عراب» الكواليس في واشنطن هنري كيسنجر أورد فيه ان بلاده تستعد لحرب عالمية ثالثة ضد روسيا والصين من بين اهدافها «احتلال» 7 بلدان عربية غنية بالنفط والغاز.. وضمان انتصار اسرائيل نهائيا على إيران وسوريا و«حزب الله» اللبناني وعلى المقاومة الفلسطينية.. المناوشة بين مبعوث الرئيس الروسي والمسؤول القطري الكبير تضمنت خاصة تحذيرا من ممثل الدوحة لموسكو بكونها «تخسر نفوذها حاليا في الوطن العربي بسبب انحيازها للنظام السوري مثلما انحازت سابقا للقذافي».. في المقابل رد المسؤول الروسي بتحذير ب»إلغاء» شيء اسمه دولة قطر من الخريطة؟!
وحسب تسجيل بثته القناة الفرنسية الثانية (وهي قناة عمومية قريبة من صناع القرار في باريس)، «وقعت مشادة كلامية بين مندوب روسيا في مجلس الأمن فيتالي تشوركين ووزير خارجية قطر حمد بن جاسم، حيث وجه بن جاسم الكلام لمندوب روسيا قائلا: «أحذرك من اتخاذ أي فيتو بخصوص الأزمة في سوريا، فعلى روسيا أن توافق القرار وإلا فإنها ستخسر كل الدول العربية».. فرد الروسي بكل هدوء أعصاب: «إذا عدت لتتكلم معي بهذه النبرة مرة أخرى، لن يكون هناك شيء اسمه قطر بعد اليوم»... هذا التصعيد غير المسبوق بين ممثل القوة العسكرية الثانية في العالم وممثل أحد أهم «أصدقاء الولاياتالمتحدة» في دول الخليج تزامن مع تصريحات «ثعلب السياسة امريكية» وزعيم «اللوبي الصهيوني الأمريكي» هنري كسنجر مستشار امن اميركي، (وزير الخارجية في عهد ريتشارد نكسون) لصحيفة «ديلي سكيب» اليومية المحلية في نيويورك. وكان كيسنجر الذي يصفه البعض ب«أكثر حكماء واشنطن وأكثر الشخصيات اليهودية الأمريكية اطلاعا»، تحدث عن حرب عالمية جديدة ستقوم بها بلاده ضد روسيا والصين وسيكون من بين أدواتها احتلال 7 دول عربية والهيمنة على كامل نفط الوطن العربي وثرواته.. وتوجيه إسرائيل ضربات لإيران وسوريا وحلفائهما..
هل يؤخذ مأخذ الجد؟
تصريحات هنري كيسنجر للصحيفة الأمريكية في منطقة الجالية اليهودية «المؤثرة» بنيويورك أُخذت مأخذ الجد في كثير من الأوساط.. بعد تعقيدات الاوضاع على الحدود السورية التركية-العراقية-الايرانية.. وبروز بوادر أزمات أمنية «طويلة المدى» في ليبيا النفطية وعودة التوتر في العراق ودول مجلس التعاون الخليجي الغنية بنفطها وغازها.. هذه التعقيدات اعتبرها تصريح كيسنجر جزءا من خطة أمريكية لتوظيف علاقاتها مع حلفائها الأطلسيين وعلى رأسهم أنقرة وقادة بعض الدول العربية النفطية لإنجاز مخطط من بين حلقاته «حرب شديدة القسوة (مع الصين وروسيا) يخرج منها سوى منتصر واحد هو الويات المتحدة».. وتستفيد منها اسرائيل أولا بعد ضربها لايران وحلفائها مثل «حزب الله» اللبناني ونظام دمشق...
حق الشعب السوري في الديمقراطية
ولابد من التسليم بكون التحركات ضد الاستبداد السياسي والفساد المالي في سوريا وبقية الدول العربية لها أساس أسباب داخلية من بينها انتشار الظلم والقهر والفقر والبطالة واقتناع الشعوب العربية بحقها في التغيير والاصلاح والانتقال الى انظمة تعددية وديمقراطية وشفافة.. لكن عددا من الخبراء في السياسة الدولية يتهمون بعض القوى الأطلسية بزعامة الولاياتالمتحدة بمحاولة توظيف غضب الشباب العربي وثورته والتعاطف الشعبي مع رموز» تيارات الاسلام السياسي» المقموعين منذ عقود لتمرير مشروع اعادة صياغة خريطة المنطقة.. وبحكم اختلال موازين القوى الاقليمية عسكريا واقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا واعلاميا لصالح سلطات الاحتلال الاسرائيلية فإن تل أبيب والشركات الأمريكية العملاقة وخاصة لوبيات السلاح والنفط هي «من يمسك» بخيوط اللعبة في «الحرب العالمية الجديدة» التي قد تكون «باردة»..
ويتهم هؤلاء الخبراء أنقرة العضو في الحلف الأطلسي التي لم تقطع ولن تقطع علاقاتها بإسرائيل ودولة خليجية نفطية صغيرة بالمساهمة في انجاز «خطة المؤامرة» تحت يافطات «حقوقية «.. ضمن سياق «حرب أكبر» محورها الرئيسي اقتصادي بين العملاقين الأوروبي والأمريكي من جهة، والعملاقين الصيني والروسي من جهة ثانية..
من يصدق من؟
وهل تفند الشعوب والقيادات السياسية الجديدة التي تفرزها صناديق الاقتراع عربيا إرادة سياسية تؤكد تصميم العالم العربي الاسلامي على اجهاض المشاريع الاستعمارية الجديدة التي تحاك ضده؟ قد تأتي الاسابيع القليلة القادمة بالجديد.. وقد يكون على قادة انقرة وطهران وزعامات الدول العربية بناء ديبلوماسيتهم القادمة بالاعتماد على أجندات وطنية وعلى خبراء حقيقيين في العلاقات الدولية وليس على «هواة» ومناضلين سياسيين وحزبيين لهم حسابات ظرفية..