القانون أهمل ذكر شركات معروفة فهربت أموالها قبل وصول المتصرفين القضائيين إليها اتهم حامد النقعاوي رئيس جمعية القانون والتطبيق الحكومات المتعاقبة منذ الاطاحة بنظام بن علي بتوظيف قانون مصادرة املاك الرئيس السابق وزوجته واصهاره سياسيا على حساب المصلحة الوطنية. وأوضح في تصريح ل"الصباح" أن المرسوم عدد 13 الصادر في 13 مارس 2011 المتعلق بمصادرة أملاك الرئيس السابق وزوجته ومجموعة من الأشخاص وردت هوياتهم بقائمة مرفقة به، تضمن عبارة شديدة الغرابة، هي أشبه بنص إحالة صادر عن وكيل الجمهورية من أن تكون جزءا من نص تشريعي، جاء بها أنه: "يمكن مصادرة أموال كل شخص اكتسب أملاكا جراء علاقته بمن تم ذكرهم بنص المرسوم وقائمته". وقال: "مؤدى هذه العبارة، أن لجنة المصادرة التابعة للحكومة سوف تحدد بكل حرية، ودون إشهار، ودون رقابة، أو حتى علم الشعب وقوى المجتمع المدني، من تتم مصادرة أملاكه لفائدة الدولة ومن لا تتم!". وبين النقعاوي ان العبارة المذكورة في المرسوم فتحت الباب أمام الحكومة لمساومة رجال الأعمال ممن ثبتت شراكتهم مع عائلة الرئيس السابق، حسب رايه، مضيفا أن التجار وأرباب الصناعة والخدمات المعنيين، لهم من الأجراء ما يفي بإرباك الوضع الأمني، وخدمة أي حزب مترشح للانتخابات. مشيرا أن العديد من الخبراء ورجال القانون أشاروا في عديد المناسبات إلى ضرورة تعديل هذا النص القانوني قائلا: "إن المصادرة بنص تشريعي تنهض على تدخل سافر في الاختصاصات الدستورية للقضاء، فما بالك بمصادرة تقررها لجنة إدارية". وتساءل: "كيف يقبل رئيس الدولة المؤقت تفويض صلاحياته التي لم يكتسبها إلا بصورة استثنائية إلى لجنة إدارية؟، وأين هم هؤلاء الأشخاص الذين اكتسبوا أملاكا جراء علاقتهم بعائلة الرئيس السابق؟"
نقائص واستفهامات
وكشف رئيس جمعية القانون والتطبيق وهي جمعية حديثة النشأة أن لجنة المصادرة ورغم مضي ما يقارب السنة من عملها لم تتوصل بعد إلى أي رجل أعمال ممن اكتسبوا أملاكا جراء علاقتهم بالرئيس السابق واصهاره. مشيرا إلى أن الأمر تواصل إلى ما بعد الانتخابات، وتشكل حكومة شرعية لم تبادر هي نفسها إلى الآن بتعديل الوضع، حسب قوله.
غياب تقرير اللجنة
ولاحظ النقعاوي أن عدة جوانب قانونية يجب التنبيه اليها وهي تتعلق بمرسوم المصادرة ابرزها أن المدة القانونية الممنوحة للجنة المصادرة للاستقصاء عن الأملاك المكتسبة جراء العلاقة الرابطة بين رجال الأعمال وبين عائلة الرئيس السابق انتهت منذ تاريخ 18 سبتمبر 2011، وكان على اللجنة أن تعد تقريرها في أجل معقول بداية من ذلك التاريخ على أن لا يتجاوز الشهر. وأضاف: "وكان من حق الشعب أن يطلع على ذلك التقرير لكن الحكومة آثرت التكتم إلى حد هذا التاريخ. وبالتالي فإن أية مصادرة يتم الإعلان عنها اليوم لا تتسم بالشرعية ويجوز الطعن فيها وفق الإجراءات القانونية المتاحة". فضلا عن أن المصادرة لا يمكن أن تطال الذمّة المالية لرجال الأعمال المذكورين وإنما يجب أن تقتصر على الملك المشبوه فقط. ولاحظ أن ورقة المصادرة لم تعد اليوم ورقة ضغط مجدية في يد الحكومة، غير انه أشار أن التوظيف السياسي لقانون المصادرة لا يأخذ بعين الاعتبار متطلبات الصالح العام. مضيفا: "لقد كان الشركاء المذكورون على استعداد تام لإبرام الصلح مع الدولة على أساس تحملهم قدرا محددا من جهود التنمية في المجالات والأماكن التي تحددها الحكومة -ظنا منهم أن التتبعات المدنية والجزائية سوف تطالهم- وذلك بعد أن عاينوا التتبع الجاري ضد رجل الأعمال "خ. ق"، وكيف تم رفع يده عن أملاكه وإيداعه السجن المدني. إلا أن التتبع بهذه الصورة اقتصر على هذا الأخير!".. بل إن تردد الحكومة حسب رئيس جمعية القانون والتطبيق في اتخاذ القرار المناسب تجاه رجال الأعمال، ألحق ضررا فادحا بالاقتصاد الوطني، إذ امتنع هؤلاء المستثمرون عن أي استثمار جديد وسعى جلهم إلى تهريب أموالهم من نطاق كل مصادرة محتملة، وسادت الريبة وعدم الثقة بين كافة الأطراف، فانخرط بعضهم في النشاط السياسي وتكتلوا فيما بينهم لتكوين جبهات انبنت على معيار جهوي، على حدّ تعبيره.
أخطاء قانونية
ونبّه النقعاوي إلى وجود اخطاء عديدة بمرسوم المصادرة من ذلك أنه وإضافة إلى عدم المساواة البارزة على مستوى المعايير المعتمدة في ذكر الأشخاص المعنيين بالمصادرة، وإهمال بعض الأقارب رغم إقحام آخرين لا يختلفون عن المهملين في شيء من ناحية درجة القرابة بالرئيس السابق ومن ناحية ممارسة نشاطات مالية مشبوهة.. اهمل المرسوم ذكر الشركات المعروفة، وهو ما أدى إلى تهريب أموالها قبل وصول المتصرفين القضائيين إليها، إذ أن جميع العقود التي تبرمها تلك الشركات بعد 14 جانفي 2011 تكون صحيحة ونافذة لسبب بسيط هو أن أموال تلك الشركات ليست على ملك المساهمين في رأسمالها نظرا لتمتعها بالشخصية القانونية والذمة المالية المستقلة. ورغم ذلك تصر الحكومات المتعاقبة على الإبقاء على هذا النص دون إصلاح.