بقلم: د. أحمد بوعزّي قرأت مقالا في جريدة الصباح المؤرخة في 5 فيفري 2012 بعنوان « تردّي مستوى التلاميذ يعود إلى حذف المناظرات الانتقائية» وصدمني أن يصدر مثل هذا الرأي من طرف المتفقد العام للتربية وبعد قراءة المقال لم أستنتج منه ما هو مكتوب في العنوان كما استنتجت الصحفية ذلك لأن الإدلاء بمثل هذا التأكيد لا يمكن أن يصدر إلا بعد دراسة معمقة، وحتى وإن انتهت إليه الدراسة فإنه من الصعب العمل به لأنه يناقض مبدأ المساواة بين المواطنين، ومبدأ إجبارية التعليم، ومبدأ حق المواطن في المعرفة، ويعطّل مسيرة التنمية، ويمنع الاقتصاد والصناعة بالخصوص من التطور لأن كل تطور مربوط بالمعرفة والتكوين، إلى غير ذلك... بحيث لا يمكن اليوم أن يقبل الإنسان التراجع عن إجبارية التعليم ولا يرضى عاقل في تونس بوجود مليوني مواطن أميين لا يفقهون القراءة والكتابة ولا يعرفون كيف يصوتون في الانتخابات دون أخطاء، وربما لا يعرفون التمييز بين مترشح يضحك على ذقونهم ومترشح كفء، ومع ذلك فهذا واقع تونس المؤلم اليوم ولهؤلاء الأميين الحق في التصويت، والمناظرات الانتقائية سوف تزيد من عددهم، ويجب أن لا يقرّر الأميون من يحكمنا. لنعد إلى المبدإ، الامتحان لا بد منه في التعليم لترتيب التلاميذ حسب إمكانياتهم واجتهادهم ولدفعهم للتنافس وإلى الرفع من مستواهم المعرفي ليضعوا أنفسهم في مرتبة محترمة، لكن الحق في التعليم هو من أهم حقوق الإنسان ولا بدّ أن يكون التعليم إجباريا حتى نكوّن مواطنين عارفين قادرين على التمييز، قادرين على القراءة لرفع مستوياتهم المعرفية ولتكوين أنفسهم مدى الحياة لحذق حرف ومهن جديدة لم تكن موجودة عند طفولتهم، إلى غير ذلك. ونسبة الأميين في تونس أي تونسي على خمسة هي نسبة لا تسبقنا فيها إلا الشعوب المتخلفة جدا، تجعلنا نخجل بها ويجب أن يهتم بها الحاكمون لأنها من أهم أسباب التخلف الاقتصادي، وهذا الرقم ناتج عن سياسة الانتقاء التي كان يعتمدها الهادي نويرة في السبعينات وعن سياسة التسيب في ميدان إجبارية التعليم التي كان يعتمدها نظام بن علي الذي كان لا يهتم إلا بالمدارس الخاصة التي يملكها أقاربه وبالمدارس الفرنسية التي تدرس فيها بناته والتي كان يجود عليها بالميداليات في آخر السنة الدراسية لتشجيعها على التفوق على المدارس التونسية رغم أنها تتبع وزير تربية لم يقابله المخلوع أبدا ولا يأتمر بأوامره... لنبحث على طرق أخرى لتحسين مستوى التعليم. مسألة تردّي مستوى التعليم تكمن في سياسة الحكومات السابقة التي تعتمد على برامج ثقيلة جدّا ودسمة إلى حدّ التخمة، وعدد من ساعات الحضور الجالسة أمام السبورة أعلى من أي عدد في الدول المتقدّمة في ميدان التعليم، وتعليم يعتمد التنشين ولا علاقة له بالتكوين والمعرفة، والسماح للأساتذة والمعلمين بإسداء دروس خصوصية لتعويض تقاعس التلاميذ عن المراجعة الفردية، وغياب الأشغال التطبيقية والزيارات الميدانية، وأساتذة رياضيات وعلوم لا يعرفون التعبير الجيّد بالفرنسية يدرّسون تلاميذ لا يفهمون الفرنسية جيّدا... هذه هي الأسباب الحقيقية التي لا يريد المسؤولون الخوض فيها خوفا من النقابات وخوفا من فرنسا وخوفا من الأثرياء بالبلاد وخوفا من النقاش في التلفزيون أمام المواطنين. المدرسة ليست مركز تكوين مهني يعطي مهنة عند التخرّج ولكنها مركز تكوين التلميذ ليصبح قادرا على تحسين كفاءته في الميادين التي ستعرض مواطن شغل. المدرسة هي مكان للحصول على المعرفة يتخرّج منها التلميذ بسلاح المواهب المصقولة والمعلومات والثقافة العامة الذي يمكّنه من دخول معترك الحياة ومواصلة تكوينه، وليست جهاز ترشيح يستعمل المناظرات الانتقائية ليستخرج الزّبدة ويرمي بالنفايات في الشارع ليتعلموا الجريمة والخناء والمتاجرة في الممنوعات. كثير من المسؤولين في وزارة التربية يعجزون عن ابتكار حلول أو يخافون من المتنفذين ويقترحون حلولا للرفع من مستوى التعليم هي في الحقيقة لذرّ الرماد في العيون وتمكّنهم في نفس الوقت من توفير امتيازات لأبنائهم يحصلون بها على تكوين متميّز يمكّنهم من دخول المعاهد والكليات التي تعطيهم مهنا راقية وتنقص عدد المتخرجين حتى لا يزاحمونهم في ميدان البحث عن شغل محترم. أعتقد أن الوقت قد حان لمجابهة المشاكل بكل جرأة واقتراح حلول ناجعة جربها من سبقونا في ميدان التعليم.