تحت شعار «إعادة إطلاق قطار المغرب العربي»، كانت جولة الرئيس المؤقت عبر دول المغرب العربي في محاولة لإعادة الروح الى الاتحاد الذي كدنا ننسى وجوده في ظل غياب المؤشرات على بقائه واستمراره بعد ان بلغ به الجمود درجة قد يصعب على كل محاولات العلاج بالصدمة اخراجه من غيبوبته التي طالت. وقد لا يكون من المبالغة الاقرار بأن في تزامن جولة السيد المرزوقي المغاربية مع الازمة الراهنة في البلاد نتيجة موجة البرد والثلوج المستمرة وتداعياتها المؤلمة بكل ما رافقها من انقطاع للطرقات والمسالك وما آلت إليه من مآس انسانية واجتماعية ما جعل هذه الجولة أبعد ما تكون عن اهتمامات الراي العام أو الاعلام لتتحول الى موضوع للانتقادات اللاذعة في أغلب الاحيان والتي بلغت حدّ التساؤل بشأن غياب الرئيس المؤقت عن البلاد في مثل هذه الظروف.. والحقيقة ان التصريحات المغرقة في التفاؤل للرئيس المؤقت في مختلف محطاته بالعواصم المغاربية وإصراره على تفعيل الاتحاد المغاربي وعلى ان تكون سنة 2012 سنة الاتحاد المغاربي ما يعكس منطقيا إرادة سياسية ونية حقيقية لا تقبل التشكيك باتجاه العودة إلى هذه المبادرة لتكون منطلقا جديدا للدفع باتجاه التكامل المطلوب على مختلف المستويات، الاقتصادية والسياسية والثقافية والانسانية وغيرها، بين شعوب المنطقة، بما يمكن أن يساعد على تغيير المشهد الراهن وتعزيز مجالات الاستثمار وفتح مزيد الآفاق لاستقطاب وتوفير مزيد فرص التشغيل أمام الملايين من الشباب من أصحاب الشهادات العليا الذين أعيتهم البطالة في دول الاتحاد المغاربي، وإعادة الأمل إلى نفوس الكثيرين من أولئك الذين يلقون بأنفسهم كل يوم في سفن الموت ويحترقون بحثا عن فرصة للحياة في الضفة الاخرى للمتوسط مخلفين بذلك سلسلة من المآسي الاجتماعية والمعاناة التي لا تنتهي.. فليس سرا أن الحلم المغاربي، كما الحلم العربي، راود ولا يزال يراود الملايين في المغرب العربي كما في بقية أنحاء العالم العربي، ولكن هذا الحلم ظل حتى الآن أبعد ما يكون عن الواقع لعدة أسباب لا تخلو من التحديات على مختلف الاصعدة. وإذا كان التقارب الحاصل بين مختلف شعوب المغرب العربي أمرا حاصلا تفرضه وحدة الجذور ووحدة الانتماء الحضاري والثقافي والديني واللغوي، فإن التقارب السياسي ظل في المقابل مترنحا، كلما تقدم خطوات لا يلبث ان يتراجع. ولعل المتأمل اليوم في المشهد المغاربي لن يجد عناء في إدراك أن عملية إطلاق القطار المغاربي مازالت تواجهها عقبات. فليبيا التي تخلصت قبل أشهر من قيود دكتاتورية القذافي لا تزال تتخبط في حالة من الفوضى وانعدام الوضوح والمشهد الليبي يغرق يوما بعد يوم في الصراعات الدموية التي قد تجرف البلاد الى حرب أهلية. في المقابل فإن موريتانيا لا تخفي ما تواجهه من مخاطر بسبب تنظيم «القاعدة». أما قضية الصحراء الغربية محور النزاع بين المغرب والجزائر فهي تبقى مفتوحة ومرشحة لكل الاحتمالات. وفي كل هذا فإن تونس التي تسعى لتكون رائدة في التقريب بين دول المغرب العربي لا تزال في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة بحاجة لبلسمة جروحها قبل الوصول الى تحقيق أهداف ثورة الكرامة التي دفع الشعب لأجلها الكثير.. ولاشك أن المرزوقي عندما دعا في أول محطة له في جولته المغاربية الى اجتناب مشكلة الصحراء الغربية التي تعوق تقدم اتحاد المغرب العربي مشددا على انه عندما تقف امام عائق ولا يمكنك تجاوزه فلا بد من اجتنابه، لقد أدرك أن المضي قدما في بناء الاتحاد المغاربي ليس بالأمر الذي يمكن أن تحققه جولة مغاربية واحدة أو سلسلة من التصريحات والخطب العاطفية وأن الامر أكثر تعقيدا من أن يتحقق خلال سنة واحدة. من هذا المنطلق فإن الحلم المغاربي يبقى حلما مشروعا مع تأجيل التنفيذ.. وفي انتظار أن يجتمع وزراء الخارجية المغاربيين الاسبوع القادم لبحث عقد قمة مغاربية تعيد الروح الى الاتحاد المغاربي، يبقى الأكيد ان التفاؤل مطلوب ولكنه بالتأكيد محدود ولا يمكن ان يصنع التكامل المغاربي المطلوب والذي بات يستوجب أكثر من أي وقت مضى انصراف الدول المعنية الى اصلاح ما يجب اصلاحه لكسب تحدّي التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والقانوني وصولا الى إصلاح الإعلام وكسب رهان الحريات...