نظمت يوم أول أمس «جمعية الصحفيين الشبان» وقفة أمام وزارة العدل للاحتجاج على حد قول رئيسها عبد الرؤوف بالي على قانون الصحافة الجديد «الذي لم يأت لخدمة الإعلام وإنما ليكمم أفواه الصحفيين خاصة في ما يتعلق بالعقوبات التي حددها القانون والتي تصل إلى خمس سنوات سجنا..» إلى غير ذلك من الهراء والتخريف الأجوف النابعين من سوء نية ومن إرادة لاستبلاه الآخرين. علما وأن هذه الوقفة شارك فيها حسب شهود عيان (هم صحفيون مكلفون بتغطية نشاط المحاكم وجدوا صدفة قرب وزارة العدل) حوالي ستة أو سبعة صحفيين وحوالي ثلاثين طالبا من معهد الصحافة على أقصى تقدير، ولمن لا يعلم فان رئيس هذه الجمعية كان من الناشطين في تدجين نقابة الصحفيين عبر الانقلاب على هيئتها الشرعية خلال عهد «الزين بابا» وتنصيب قيادة «شرفاء»(1) على رأسها!! ولكن فلنمر، فما يهمنا هو سيل الاكاذيب والمغالطات التي تضمنتها تصريحات هذا الذي نصب نفسه مدافعا عن الصحفيين والصحفيون منه براء، لأن من لعب بعض الادوار المعينة في عهد «الزين بابا» عليه ان يتوارى خجلا وان يبتعد على الاقل عن الساحة النضالية. فلاحاجة بنا للالاعيب والمؤامرات التي تسمّي نفسها «نضالا» للخداع والتمويه. فقانون الصحافة الجديد أي مرسوما 2 نوفمبر 2011 اعدته الهيئة الوطنية لاصلاح الاعلام بالتشاور والتنسيق مع نقابة الصحافيين التونسيين، الهيكل الاكثر تمثيلا على حد علمي المتواضع لصحفيي تونس والنقابة العامة للثقافة والاعلام والهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة وخبراء ورجال قانون عديدين وذلك بعد الاستئناس بقوانين عديد الدول العريقة في الديمقراطية وبالتشاور ايضا مع عديد منظمات الدفاع عن الصحفيين في العالم المشهود لها بالمصداقية والحيادية. فمجلة الصحافة القديمة تضمنت 12 تهمة عقوبتها سالبة للحرية أي السجن، فثلب رئيس الجمهورية والوزراء ورؤساء الجمهوريات الشقيقة والصديقة وغيرهم... وغيرهم، حتى «الشواش» بما انهم بالتتابع موظفون في هياكل الدولة، كان مدعاة للدخول إلى السجن.. وقد فُعّل ذلك وأُدْخل السجن بمقتضاها عديد الصحفيين والمعارضين السياسيين. اما المجلة الجديدة فلم تحتو في واقع الامر، وهذا ما لا يعرفه عديد الصحفيين، لانهم بكل بساطة لم يقرأوا المجلة (او المرسومين) إلا على تهمة واحدة من شأنها ادخال الصحفي للسجن وهي تهمة «التحريض على الكراهية والتباغض بين الأجناس او الأديان او الجهات». بينما التهمتان الأخريان هما: المتاجرة بالمواد الإباحية (أي البورنوغرافية) والتحريض على القتل وهما تهمتان، لا تعنيان، كما ترون الصحفيين لا من قريب ولا من بعيد، اللهم الا إذا تحوّلوا إلى تجار «بورنو» ودعاة للذبح والقتل. علما وأن التهم الثلاث المذكورة آنفا هي موضوع تعهدات واتفاقيات دولية صادقت عليها الجمهورية التونسية!! أرأيتم إذن حجم المغالطة، بل الكذب المفضوح. وفي سؤال ألقي على السيد كمال العبيدي إثر صدور القانون الجديد حول نواقص المجلة أجاب هذا الأخير بأن الهيئة عملت على أن يكون القانون ملائما للمعايير الدولية لحرية التعبير والإعلام ونجحت في ذلك الى حد بعيد، والدليل على ذلك أن منظمة «صحافيون بدون حدود» المشهود لها بنضالها ودفاعها المستميت عن الصحفيين في كل أنحاء العالم كان لها موقف إيجابي جدا منه، وأضاف أن كل القوانين قابلة للتعديل والتحسين». إنه لمن الثابت أن مرسومي 2 نوفمبر هما خطوة كبيرة جدا - مقارنة بالمجلة القديمة - في اتجاه تكريس حرية الصحافة، والدليل على ذلك أن عديد المحاكم أصبحت في المدة الأخيرة تصدر أحكاما اثر جلستين أو ثلاث على أقصى تقدير بالبراءة في قضايا الثلب ضد الصحفيين أو غيرهم، وقد أشرنا الى ذلك ونوّهنا به اثر تبرئة الصحفي غسّان القصيبي والنقابي سامي الطاهري. فلماذا اذن هذه الحملة على القانون الجديد؟ يبدو لي شخصيا أن السلطة الحاكمة لا تنظر اليه بعين الرضى، لأنها قد تعتبره تحرريا (permissif) أكثر من اللزوم، وهو ما قد لا يتلاءم مع استراتيجيتها، والدليل أنها تلكأت كثيرا في تفعيله، ودليلي أيضا أن بعض الأقلام التي عرفت ب«تأجير» قريحتها وبيع «ضميرها» لل«زين بابا» هي الأشد عداء للمرسومين اليوم. و«إذا كانك خيّاط تبّع الغرزة». جمال الدين بوريقة
(1) لما أزيحت القيادة الشرعية لاتحاد الشغل اثر ثورة الخبز في 1984 نصب الوزير الأول محمد مزالي قيادة لا شرعية fantoche سمت نفسها «الشرفاء»