شيعت مدينة قليبية ومئات من النشطاء والمناضلين الحقوقيين والسياسيين الزعيم اليساري الرمزمحمد بن جنات.. الذي يعتبره كثيرون "الأب الروحي لليسار والديمقراطيين وللمعارضة الحديثة لنظام الحزب الواحد ولبورقيبة" منذ 1967. كان محمد بن جنات -الذي فارقنا وهو في ال72 من عمره- قائد المظاهرة الشبابية الشعبية الاولى في قلب العاصمة (نهج جمال عبد الناصر حاليا، نهج "الصادقية" سابقا) بمناسبة حرب "النكسة" عام 1967.. ثم حوكم بأكثر من عشرين عاما بتهم متفرقة من بينها تزعمه لحركة "آفاق" ومسؤولياته عن بروز حركات يسارية مهمة بعد ذلك من ابرزها "العامل التونسي".. وامتداداتها.. وبذلك ظل رائدا للمعارضة الحديثة.. كان محمد بن جنات زيتونيا على غرار رفيقه وصهره الاعلامي والكاتب"الشيخ" الهاشمي الطرودي.. واصيب بعاهة في احدى رجليه.. لكنه ناضل طوال عقود وظل من رموز الشباب التونسي الذي ضحى طوال الخمسين عاما الماضية بوقته ومستقبله المهني وحريته من اجل ان تتقرر اصلاحات وتغييرات لصالح الشعب. مئات من رفاق محمد بن جنات ومن تلامذته لعبوا لاحقا دورا فعالا في تاسيس الهيئات الحقوقية وعدد من الاحزاب المعارضة.. من بينهم احمد نجيب الشابي وخميس الشماري وصالح الزغيدي ومحمد الصالح فليس وعبد القادر ومصطفى الزيتوني والصادق بن مهني وحمة الهمامي ومحمد الكيلاني ورشيد بن للونة وعصام والمنصف الشابي وفتحي بالحاج يحيى وعمار منصور وعلي الزايدي والمرحوم نورالدين بن خذر.. وعدد كبير من الوجوه التي اثرت في اتحادي الشغل والطلبة ورابطة حقوق الانسان وفرع تونس لمنظمة العفو الدولية في العقود الماضية.. كما اختار نخبة من رفاق محمد بن جنات بعد الثمانينات الانخراط في مؤسسات الدولة.. ومن بينهم من تحمل مسؤوليات حكومية مثل المرحوم محمد الشرفي والسادة احمد السماوي والمنصر الرويسي.. في المقابل فان عشرات منهم غامروا بالدخول الى مجلس النواب أو تحمل مسؤوليات على راس مؤسسات حكومية ادارية واقتصادية خلال العقدين الماضيين.. عاش محمد بن جنات مناضلا متواضعا.. ومات دون أن يتورط في لعبتي المال والكراسي.. فظل رمزا للاخلاص.. ولاقلية من المناضلين السياسيين من مختلف التيارات آمنت ان نضالاتها ليست للبيع.. وليست "أصلا تجاريا" "لافتكاك" امتيازات وكراسي في قصور الحكم.. ولو على حساب أصحاب الكفاءات والخبرات.. تأثرت ببن جنات ورفاقه أجيال من المناضلين اليساريين والقوميين والإسلاميين.. عسى أن تنجح مجددا في بناء جسور للتواصل.. خدمة لتونس المستقبل..