امتحان آخر أرادت مشيئة الخالق ان تمتحن فيها مدى تجاوب التونسي مع التونسي الذي كان ضحية غضب الطبيعة في موجة برد لم تسبق لها مثيل في تاريخ تونس الحديث. وقد كان الجميع في الموعد حيث تتالت قوافل المساعدات الانسانية من كل مكونات المجتمع المدني وحتى في شكل مبادرات فردية. وعلى خطى من سبق في العون والمواساة لما الم بقاطني مناطق الشمال الغربي نظمت يوم الخميس المنقضي قافلة مساعدات (تضم مواد غذائية والبسة واغطية وحشايا وادوات مدرسية ...) شاركت فيها دار "الصباح" وودادية وزراة التربية ونقابة العملة بها ونقابة الموظفين والجمعية الرياضية وجمعية المربين والفوج الكشفي اتجهت نحو منطقة "النقاقشة" من معتمدية الروحية من ولاية سليانة. حددت القافلة مدرسة "النقاقشة" الاساسية محطتها الاخيرة والنهائية، وقد انطلقت منذ ساعات الفجر الاولى كما ان هذه الرحلة هي الاولى لهذه المنطقة الجبلية النائية.
تعطيل
قبل الوصول ببضعة كيلومترات اعترض سبيل القافلة ثلة من الاشخاص اغلبهم من كبار السن من الباحثين عن مأكل يسكت جوعهم وملبس يقيهم البرد الشديد، لكن وامام اصرار الشاحنات على الوصول الى نقطة النهاية المتفق عليها سلفا فقد سارع هؤلاء لإغلاق الطريق عبر وضع الحجارة لإعاقة تقدم القافلة. وبعد النقاش معهم تم اقناعهم بالالتحاق بالمدرسة لنيل نصيبهم من المساعدات.
"شبه مدرسة"
عند الوصول الى نقطة النهاية فوجئ الجميع بحالة المدرسة ذات الثلاث قاعات والتي يرتادها قرابة 94 تلميذا تتراوح اعمارهم بين 7 و13 سنة ويسهر عليها اطار تربوي يضم مدير و6 مدرسين يعملون في اطار نيابات يؤجرون على الساعات التي درسوا فيها فقط مع خصم للأداءات في حدود 13.5 بالمائة. وتجدر الاشارة الى ان هؤلاء المعلمين لم يحصلوا على رواتب 3 اشهر الى حد الان. وفي نفس السياق تفتقر هذه المؤسسة التربوية الى ابسط شروط السلامة وحفظ الصحة حيث يغيب الماء الصالح للشراب وتحتجب الحنفيات. كما ان المطعم المتوفر فيها غير مستعمل لغياب كل التجهيزات الضرورية . اما عن التلاميذ فان اغلبهم يقطعون الكيلومترات للوصول الى مقاعدهم فيما يضطرون للغياب عن الدراسة وقت هطول الامطار والثلوج وانسداد الطرقات وهو ما اثر على نتائجهم ووضعهم الدراسي الذي اكد مدير المدرسة مصطفى العوني انه في تراجع.
فوضى
رغم تعهد منظمي القافلة وعددهم يتجاوز العشرين من بينهم اربع نساء بالنظام حيث تم توزيع المساعدات على المئات من الاشخاص وسط مساعدة للجيش والحرس الوطنيين، الا ان الفوضى ما لبثت ان دبت في صفوف المنتفعين في نهايتها رغم توفر المواد الغذائية وغيرها وكان لسان حال اغلبهم يقول بضرورة اغتنام هذه الفرصة وحصد ما يمكن حصده من غنائم وهو راي منتظر لأناس يعانون التهميش لسنوات واحسوا بالظلم -، فكان التدافع وتعالي الاصوات وتبادل الشتائم سيدي الموقف. وبعد الانتهاء من التوزيع كانت رحلة العودة التي امتزج فيها الاحساس بالفرح والحزن في الان نفسه فرح لفرح الاطفال الصغار بالهدايا التي تحصلوا عليها وحزن لحال الفوضى التي انتهت عليها عملية التوزيع.
رحلة
وفي اطار العناية بهؤلاء الاطفال علمت "الصباح" ان المندوبية الجهوية للتربية بصدد التفكير في تنظيم رحلة لتلاميذ مدرسة "النقاقشة "الى تونس لزيارة العديد من الاماكن من بينها المتاحف.