يهدف مؤتمر "أصدقاء سوريا" الدولي الذي يلتئم اليوم بالعاصمة التونسية إلى حشد أكبر عدد ممكن من الدول المناهضة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد بما من شأنه أن يكرس تسليط المزيد من الضغوط الدولية وتوجيه رسالة قوية إلى النظام لكي يتنحى عن سدة الحكم والاستجابة للمطالب الشعبية. الا أن هذه الخطوة الممثلة بمؤتمر "أصدقاء سوريا" تثير العديد من التساؤلات ومن بينها : - إلى أيّ مدى يمكن أن ينجح مؤتمر "أصدقاء سوريا" في توحيد صفوف فصائل المعارضة العديدة والمتفرقة بين الداخل والخارج، خاصة وأن هذه الأخيرة ليست على موقف موحد تجاه آليات وسبل تنحي نظام الأسد عن الحكم؟ - هل حان الوقت أيضا لدعم المعارضة السورية ماليا ومعنويا وربما الذهاب إلى أبعد من ذلك والعمل على تسليح جناحها العسكري الممثل ب"الجيش السوري الحرّ" نظرا لأن الدول الغربية غير متحمسة في الوقت الراهن للتدخل عسكريا؟ - ألا يشكل غياب كل من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا عن مؤتمر تونس مؤشرا على انقسام المجتمع الدولي لفريقين، كما يخشى العديد من المهتمين بالشأن السوري من أن يتجه الوضع في نهاية المطاف إلى حرب بالوكالة.
الوضع الإنساني
ولا شك أن من بين الأولويات الملحة التي يفترض أن تتصدر برنامج عمل المؤتمر الدولي بتونس الوضع الإنساني في جل المدن السورية وخاصة حمص، هذا إذا افترضنا أن الدوافع الإنسانية كان لها دور في التحرك الدولي. وذلك حتى يكون اسم المؤتمر الذي أصرت تونس على أن يكون مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري" أكثر من مجرّد تسمية. فالأخبار الواردة من سوريا حول الوضع الميداني بحمص لا تنبئ بخير، فالوضع سيّئ للغاية، وسط قصف عنيف ومستمر على المدينة لليوم الثامن عشر على التوالي وأودى بحياة العشرات من المدنيين والأطفال الأبرياء إلى جانب فقدان جميع الخدمات وعدم وجود ملاجئ يتحصن فيها المدنيون. كما أن القصف طال المستشفيات والمساجد التي لجأ إليها السكان، فيما أخذت مخزونات المؤونة والدواء تنفد في المدينة، فهناك أزمة إنسانية تلوح في الأفق السوري. ولعل دعوة الصليب الأحمر في سوريا طرفي الصراع إلى الاتفاق فورا على وقف إطلاق النار ساعتين على الأقل يوميا للسماح بتقديم المساعدات للمدنيين في المناطق الأشد تضررا مثل حمص وتقديم المساعدات وإجلاء الجرحى والمرضى، خير دليل على مدى كارثية الوضع هناك. والواقع هو أنه حتى لو افترضنا أن الجانب الإنساني هو من أولويات المؤتمر الدولي، فالسؤال الملح هو كيف يمكن إجبار النظام السوري على الوقف الفوري للعنف وإلزامه بذلك ولو في شكل هدنة لتجنب كارثة إنسانية محدقة بحمص بعد أن تم استدعاء المعارضة كممثل شرعي للشعب السوري وتغييب الطرف المقابل (النظام السوري) فهو الممسك بزمام السلطة إلى حدّ الآن ولا يمكن التوصل إلى حل وقف العنف حتى وإن كان وقتيا باستدعاء أحد طرفي النزاع في سوريا وتجاهل الآخر.
الاعتراف بالمعارضة
إن الاعتراف بالمعارضة السورية كممثل شرعي للشعب السوري خطوة سابقة لأوانها في الوقت الراهن نظرا لأن الدعوة الرسمية من قبل تونس قد وجهت إلى المجلس الوطني السوري المعارض الذي يعتبر فصيلا من فصائل المعارضة السورية رغم أن المجلس الوطني لا يمثل جميع فصائل المعارضة السورية ناهيك عن تمثيل الشعب السوري بمختلف مشاربه وتوجهاته الفكرية والايديولوجية. كما تجدر الاشارة إلى أن توجيه الدعوة إلى المجلس الوطني مقابل تجاهل فصائل المعارضة الأخرى يسهم في تكريس جو من الاحتقان والانقسامات الموجودة داخلها. فالانقسامات والخلافات حول الرؤى والسبل التي يجب اتخاذها لتنحية الأسد عن سدة الحكم بين صفوف المعارضة كانت العنوان الأبرز في الأيام القليلة الماضية، بل إن الأمر قد وصل إلى حد تبادل التهم بين قيادييها بالعمالة والارتهان لأطراف بعينها، إضافة إلى الصراع فيما بينها من أجل المناصب، بحيث أثار تجديد رئاسة المجلس الوطني لبرهان غليون، للمرة الثالثة على التوالي دون اللجوء إلى انتخابات، انتقادات واسعة من داخل المجلس وكذلك من المنفيين في الخارج. فرغم اكتساب المجلس صفة الممثل الشرعي للثورة السورية في الخارج لا يزال منفصلا عن معارضي الداخل، حيث لا يزال غير قادر على تنسيق تحركاته معهم، إضافة إلى خلافاته مع "الجيش الحر". ولعل السؤال المطروح حاليا، هل المعارضة السورية رهينة حساباتها ومصالحها الضيقة قادرة على قيادة مرحلة انتقالية على درجة بالغة الحساسية في سوريا بعد تنحي الأسد.. وهذا الأهم؟ تمويل المعارضة وعندما نقول إن مؤتمر "أصدقاء سوريا" سيؤدي إلى توحيد المعارضة كممثل شرعي للشعب السوري يعني ذلك دعمها معنويا وماليا والأخطر من ذلك التوجه نحو تسليحها ودعمها عسكريا مما سيفضي إلى مزيد تأجيج وتيرة العنف على أرض الواقع ليكون الخاسرَ الأكبرَ في هذه الحالة المدنيون السوريون الذين ضحوا ولا زالوا يضحون بأرواحهم كثمن باهض للحرية والانعتاق. ومن هذا المنطلق فإن تسليح المعارضة قد يعني تقديم سبب قوي يدفع الطرف المقابل من المجتمع الدولي الرافض للإطاحة بالنظام السوري كروسيا والصين وايران و"حزب الله" في لبنان إلى دعم نظام الأسد بالمال والسلاح وحتى المقاتلين بصورة علنية ما من شانه أن يفجر الوضع في سوريا ويقود البلاد إلى حرب أهلية ستكون تداعياتها وخيمة على المنطقة شرق الأوسطية برمتها..
تكريس الانقسامات
من بين النتائج التي يمكن أن يفضي إليها مؤتمر "أصدقاء سوريا" الوقوع في مخاطر انقسام المجتمع الدولي إلى فريقين، الأول يدعم ضرورة تنحي الأسد عن سدة الحكم مهما كلف الأمر والفريق الثاني يقف جدار صدّ أمام هذه المساعي. وقد أشار عديد المحللين والمهتمين بقضايا الشرق الأوسط إلى أن هناك خطرا محدقا بأن يتحول الأمر إلى صراع بالوكالة، فجميع العوامل تدفع نحو هذا الاتجاه، ومن المرجح أن نرى في الأيام المقبلة دولا تراهن على "الجيش الحرّ" من خلال تمويله بالمال والعتاد وحتى بالقوات الخاصة، ودولا أخرى تمثل الشق الآخر ستدفع نحو دعم النظام السوري للوقوف في وجه قوات المعارضة السورية والحيلولة دون تجسيد المخططات الأمريكية في المنطقة، حسب وجهة نظرها. والتاريخ يمكن أن يعيد نفسه.. لنجد منطقة الشرق الأوسط في نهاية المطاف تغرق في حرب بالوكالة على غرار الحرب الباردة التي خاضتها كل من الولاياتالمتحدةوروسيا في أمريكا اللاتينية وافريقيا وأفغانستان وغيرها، فكانتا تسلحان الحكومات المتحالفة أو المتمردين الذين يقاتلونها.. كما تجدر الإشارة في هذا المضمار أن الانقسامات بين الدول العربية حول الطرق الكفيلة بمعالجة الملف السوري، مؤشر على عدم التقاء العرب على تصور موحد للمسألة السورية، وهو ما قد يفتح الباب لتناقضات يمكن أن تربك استقرار المنطقة..