قد لا تكون المعارضة السورية موحدة، ولكن على الأقل فإن جلها متفق على ضرورة الإطاحة بالنظام السوري الذي مازال يقترف أبشع الجرائم في حق شعبه الأعزل في مختلف أنحاء «بلاد الشام». ولعل هذا الانقسام في صفوف المعارضة هو الذي جعل أداءها محل انتقاد كبير من المتابعين والمحللين للوضع السوري... حيث هناك من يعتقد فعلا أنه «شيء متأخر عن بطولة الشعب السوري سنوات ضوئية، حتى أنه ليس من المبالغة القول إنّ أحد أسباب استمرار نظام الأسد حتى اليوم، هو الوضع السيء للمعارضة» حسب ما يحدد الكاتب والمحلل السياسي اللبناني في جريدة «الأخبار اللبنانية» أرنست خوري ل«الصباح». كلام أرنست يأتي في وقت قال فيه عضو المجلس الوطني السوري المعارض عبد الله التركماني ل»الصباح» أن هناك عدة دول عربية «وعدت» بالاعتراف بالمجلس كممثل للشعب السوري مضيفا أن هذه الإتصالات تبقى في نطاق السرية إلى أن يتم الاعتراف به كممثل بديل لنظام الأسد الذي فقد مشروعيته وقامت عدة دول بسحب اعترافها به. خطوة كهذه يرى فيها أرنست خوري أنها مهمة إذا ما تمكن المجلس من التوسع، ولكن رغم ذلك فإن «هذه الخطوة لن تنجح» حسب رأي أرنست، بل «يجب أن تتعداها نحو «خلق إطار جديد موسع للمعارضة، يضم أشخاصاً وكيانات سورية معارضة جديدة». ويضيف أن «المجلس الوطني اليوم، على الرغم من مساوئه الكثيرة وتناقضاته»، فإنه «الأكثر تمثيلاً للشعب السوري، المقيم في الداخل وفي المنفى شئنا أم أبينا»، إلا أن خطوة الإعتراف به كممثل للشعب السوري لا يمكن أن تتحقق، إذ أنها تعتبر «غير كافية بالنسبة ل«المجتمع الدولي»، بما أن الدول الأجنبية يصعب أن تعترف إلا بإطار موسع للمعارضة السورية».
استراتيجيات تسمية
ورغم أن كثيرا من التقارير الإعلامية تشير إلى وجود انقسام واختلاف واضح في رؤى المعارضة إلا أن عبد الله التركماني يشير في تصريحه ل«الصباح» أن «توحيد الصفوف جزء من استراتيجية المجلس» الذي يسعى إلى اتمامها خاصة وأن الهدف يبقى إسقاط النظام الحالي وتعويضه ب«نظام منتخب ديمقراطيا» وهي الغاية التي يعمل عليها المجلس الوطني المعارض». ويضيف المتحدث بأن من مبادئ المجلس الوطني السوري «تحقيق الشرعية عن طريق الديمقراطية» وأن خطوة الاعتراف الحالية بالمجلس الوطني السوري قد تأتي في الإطار «المؤقت». ورغم هذا التفاؤل الذي بينته تصريحات التركماني إلا أن الوقائع تشير إلى غير ذلك، خاصة إذا ما تحدثنا عن تلازم النشاط السياسي للمعارضة، وخاصة «لعب بعض الأطراف الدولية على حبال التفرقة بين مكوناتها المتنوعة والمختلفة، لاسيما من الجانب الروسي الذي رفض المشاركة في مؤتمر أصدقاء سوريا، واستدعى بعض وجوه المعارضة للتشاور في موسكو في هذه النقطة يشير أرنست خوري الى أن «روسيا طالما أنها لم تدخل في تسوية تتخلى فيها عن موقفها الداعم للنظام، ستبقى تعمل على ضرب المعارضة». ولذلك فإن موسكو تستعمل نفس «استراتيجية التسمية» التي يستخدمها الأسد و«تتكلم بنفس خطاب النظام» بحيث تتحدث عن «المعارضة الوطنية» و«المعارضة العميلة». وهكذا فإن موسكو تستقبل ما تسمّيه «معارضين وطنيين» كقدري جميل مثلاً رغم أن السوريين يعلمون ان هذا الرجل هو الديكور الذي يريده النظام وأنه قد يكون أشد ولاءً للأسد من حزب البعث نفسه» ويضيف أرنست أنها «في المقابل، تتهم المعارضة بالإرهاب»...
خيار العسكرة
ولعل هذه الإجابة تعني وباختصار، أن أقل ما يمكن أن تقوم به موسكو الآن و«قبل أن تتخلى عن الأسد» هو العمل لضرب المعارضة الحقيقية. ولعل تشابك هذه الاستراتيجيات وخاصة السياسية والديبلوماسية بين المعسكرين الدوليين المتصارعين على «طاولة البوكر السورية» (روسيا والصين من جهة.. الغرب وبعض الدول العربية من جهة أخرى)، بدأ يطرح سيناريوهات عديدة نحو اتجاه يميل أكثر إلى «عسكرة الجيش الحر» ودعمه ماديا وماليا وذلك حسب ما أتت به قرارات الجامعة العربية في اجتماعها الأخير في القاهرة، والذي من المرجح أن يكون البند الأساسي على لائحة برنامج «مؤتمر أصدقاء الشعب السوري»، فيما كان برهان غليون رئيس المجلس الوطني قد عبر في حديث ل«الصباح»، منذ أسبوعين أن المجلس يحرص على «دعم الجيش الحر لوجستيا وماليا»، وهو ما يطرح السؤال حول «هل من ممكن أن يتحول الجيش الحر إلى الجناح المسلح للمجلس الوطني ؟؟ حول هذا السؤال يقول الكاتب اللبناني أنه «كلما تأخّر سقوط النظام، فإنّ خيار العسكرة يقوى أكثر» ولكنه يضيف في لهجة ناقدة أن «المشكلة اليوم هي داخل المجلس الوطني»، حيث يشير أن هناك اختلافا قائما «بين تيار يصرّ على أن يكون الجيش الحرّ خاضعاً للمجلس مباشرة، وبين المصرّين على حصر العلاقة بين المجلس والجيش الحر في إطار التنسيق لا أكثر». من جانبه أوضح عضو المجلس عبد الله التركماني أن الاتجاه السياسي للمجلس الوطني يبقى «الإصرار على سلمية الثورة السلمية» وأن الجيش الحر -المتكون أساسا من جنود منشقين عن جيش النظام السوري- أتى بعد رفضهم الإذعان لأوامر قتل المدنيين، يبقى جهة معارضة حملت السلاح للدفاع عن المدنيين، مضيفا أنه يوجد «تنسيق» وأنه يعتبر إلى حد ما بداية نحو توحيد الصفوف.
خيارات المعارضة والمجتمع الدولي
لكن أرنست من جانبه وضع إصبعه على إشكال آخر، وهو وجود تنظيم عسكري آخر معروف ب«المجلس الأعلى العسكري»، تحت قيادة العميد الركن مصطفى الشيخ المستقل عن الجيش الحر بقيادة رياض الأسعد. ويستنتج أرنست أنه «إن تمّ حل المشكلة بين الأسعد والشيخ قبل أن نذهب إلى توحيد المعارضة في إطار جامع وجديد، فإن احتمال تحوُّل الجيش الحرّ إلى ذراع عسكرية للمجلس الوطني سيكون أكبر، وخصوصاً إذا حصل اعتراف دولي كبير بالمجلس الوطني». ورغم أن ذلك يبقى في إطار التخمين والاستشراف، فإن الخلاف الآن بين مختلف شرائح المعارضة السورية تبقى حول هذه النقطة بالتحديد: «عسكرة الثورة وتبنّي الجيش الحر أو العكس». شأنها في ذلك شأن مكونات المجتمع المدني «فلا تزال غير حاسمة في هذه النقطة»، خاصة كما يضيف أرنست أن هذه الدول تسعى إلى سيناريو انقلاب عسكري، وأن هذا الحلّ يبقى الأمثل بالنسبة للعالم وللسوريين المعارضين لأنه يحمي البلد من حرب أهلية حتمية.