في إطار ندوته الشهرية "الهوية بين الخصوصي والمطلب الكوني" نظم مركز "مسارات" للدراسات الفلسفية والانسانيات محاضرة ألقاها الفيلسوف يوسف الصديق بعنوان "في الهوية". وإثر تقديم عام للمسألة ووضعها في إطارها أشار رئيس اللجنة الأستاذ عماد صولة الى أهمية الموضوع في ظل عولمة التنميط الاجتماعي والثقافي والسياسي وهو ما يعد خطرا على الهويات المحلية، ما جعل الشعوب ?العربية خاصة- تواجه تحديات وأخطارا تهدد كيانها ووجودها، اساتذة وطلبة ومفكرون كانوا من بين الحاضرين في هذا اللقاء وقد أثرَوا الحوار من خلال مداخلاتهم بعد أن تطرق المفكر يوسف الصديق الى الجزئيات الهامة التي تهم مسألة الهوية معتمدا في ذلك العديد من الاحالات والمراجع الفلسفية والانتروبولوجية والدينية واللسانية.
"الهوية" في أبعادها اللسانية
أكد المحاضر يوسف الصديق منذ بداية حديثه أنه يجب أن نفكر في مصطلح "identité " أكثر من مصطلح الهوية ذلك أنه حسب رأيه ينبغي أن نتبع التسلسل التوالدي للفظ"identité " وضرورة حصره من اللغة السنسكريتية الى اللغة العربية بما أن تاريخ الحضارات يقارن انطلاقا من اللغة. ثم إن هذا اللفظ وفق ما طرحه يوسف الصديق من شأنه أن يضمن التعريف الدقيق للهوية. ف"identité " مصطلح يعني فلسفيا التواصل بالذات أما في العلوم الاجتماعية فيعني اعتراف الفرد بنفسه أو من طرف الآخرين. ونتيجة لهذا المسار الألسني انتقل يوسف الصديق الى أهمية التسلسل التاريخي في تحديد هويات الشعوب على غرار ما حصل في فرنسا حوالي القرن الرابع للميلاد عندما استقرت فيها احدى القبائل الجرمانية المعروفة باسم الفرنجة Francs بالمنطقة ومع زوال الامبراطورية الرومانية اعطت هذه القبيلة اسمها للبلاد (فرنسا) فيما بعد. من اللسانيات إلى "الهوية" كقضية فلسفية بعد التحليل التاريخي والألسني بيّن يوسف الصديق آراءه الفلسفية إزاء موضوع الهوية لينطلق مما جاء به ديكارت ويبين أن هذا الإشكال يتعلق بمحددات هوية الشخص من جهة أي بالخصائص التي تتأسس عليها هذه الهوية كالفكر والوعي والذاكرة والارادة.. وبهوية الشخص بين الوحدة والتعدد بين الثبات والتغير من جهة اخرى ومن هنا يمكن طرح العديد من الأسئلة.. ما الذي يحدد هوية الشخص؟ على ماذا ترتكز؟ وهل هوية الشخص واحدة أو متعددة؟ ثابتة أو متغيرة؟.. أسئلة متعددة أجابت عنها الفلسفة الحديثة ?حسب يوسف الصديق- من خلال تحديدها لهوية الشخص التي تتحدد على مستوى الفكر فالإنسان ذات مفكرة وواعية ويتجلى هذا الوعي في القدرة على الشك والفهم والتصور والنفي والاثبات والتخيل والإحساس.. وتعتبر هذه الافعال خصائص مكونة لهوية الشخص وتمثل جوهره وماهو ثابت فيه. ومن جهة اخرى تبنى الفيلسوف يوسف الصديق قولة" كان الانا في القطيع وأصبح القطيع في الأنا" لنيتشه ليطرح إشكالية في غاية الأهمية في حيرة واضحة "اية عروبة واي اسلام نتحدث عنه؟" مضيفا "انني كنت بربريا وتعربت أو أمازيغيا وتعربت.. كيف لي ان أتنكر لهذا التاريخ وأتأكد أني عربي؟".. ليصل أخيرا الى حقيقة أن محمد(ص) هو الوحيد الذي أعطى الى قضية الهوية خاتمتها حيث لم يذكر الجنس في أي موقع وركز على اللغة لينبذ العرقية.. لتكون هوية العديد من الشعوب مختلفة الاعراق هويتها الحضارة العربية الاسلامية.
في نهاية المحاضرة ركز جل الحاضرين من خلال أسئلتهم الموجهة الى يوسف الصديق على موضوع هوية التونسيين فكان ان أشار الى ان هويتنا تبقى عربية اسلامية رغم ان الهوية لا تنجو غالبا من التأثر بالعولمة. كما بين ان الهوية التونسية ترجع الى سنة800م وإبراهيم الاغلب مؤسس الامارة الاغلبية التابعة للخلافة العباسية في ولاية افريقية (تونس) مشيرا الى ضرورة احترام الاقليات التي يجب أن تكون متفتحة وتساهم هي بدورها في رسم هويتنا من خلال المحافظة على العادات والتقاليد والتاريخ النضالي ومقاومة اية محاولة للهيمنة الخارجية.