اتخذ ساسة ورجال قبائل منطقة «برقة» الليبية على الحدود مع مصر قرارا بإعلانها إقليما فيدراليا اتحاديا، خطوة رأى فيها الكثير من المراقبين تمهيدا لتقسيم ليبيا، إلا أنّ «المنفصلين» يرون فيها عودة إلى الفيدرالية التي تستمد شرعيتها من الدستور الذي أُقر في عهد الملك الراحل إدريس السنوسى. ففي 24 ديسمبر من عام 1951 وبدل السلطة المركزية، نقلت السلطات إلى "برقة" وإقليم "فزان" في الجنوب وإلى "طرابلس" في الغرب فيما يعرف بالمملكة الليبية المتحدة إلى أن انتهت الفيدرالية في عام 1963 وأصبح لليبيا بعد ذلك حكومة مركزية في آخر سنوات حكم الملك إدريس السنوسي؛ومع وصول القذّافي إلى السلطة بعد الانقلاب العسكري الذي قام به عام 1969 توطّدت المركزية في الحكم الذي استمر 42 عاما. ولكن تركيز السلطة في العاصمة طرابلس لم يمنع كلّ إقليم من الحفاظ على خصوصياته. القبيلة أو الإقليم؟ بالرغم من الطابع القبلي لليبيا فإنّ التقسيم الفيدرالي لم يعتمد على الانتماء القبلي، إذ تتجمع عديد القبائل تحت لواء رئيس الإقليم وقد اتفقت جميعها على الاستقلال. ومن المتوقع الإعلان عن مجلس انتقالي وبرلمان خاص بالفيدرالية للإقليم الجديد الذي يتمتع بسلطات إدارية ومالية واسعة، بالإضافة إلى ترشيح عدة شخصيات لتولي حقائب النفط والمالية والتعليم العالي والدفاع. هذا الأمر يجعل منطلقات منطق استقلال الأقاليم في ليبيا مختلفا عن مبادئ القبلية أو التقسيم الطائفي. إلا أنّ الفيدرالية لم تنف تماما الطابع القبلي لليبيا، إذ يعتبر سكان برقة أنّ البنية الاجتماعية القبلية مختلفة عن تلك القائمة في الغرب، والبنية السياسية خاصة، والمتمثلة بشبكة علاقات اقتصادية وقبلية كانت نتيجة التحالف القبلي في السيطرة على الطرق التجارية بين أفريقيا الوسطى وساحل البحر المتوسط. وقد نشر موقع «صوت روسيا» حوارا مع تشارلز هيمين محلل مختص في الجماعات المسلحة قال فيه إنّ ما يحدث في ليبيا هو تقسيم قبلي، مشيرا إلى أهمية القبيلة ودورها في ليبيا، فكل قبيلة تسيطر على المناطق الخاصة بها في البلاد ولا تنزع نحو الانتماء إلى سلطة مركزية قوية لأنّ سلطة القبلية تتكفل بذلك. طبخة التقسيم ليس مصادفة أن يضمّ إقليم «برقة» أكبر كميّات للنفط في الأراضي الليبية، لذا لا يمكن أن يتم التطرق لهذا القرار دون وضعه في إطار ما يوصف ب»الوصاية» الأجنبية التي باتت تتسم بها المرحلة الانتقالية في ليبيا، فيرى المحلل برتران بادي، في نقاش على موقع صحيفة (لوموند)، إلى نقطة التحول التي شهدتها ليبيا منذ انطلاق ثورتها. يقول بادي إن »المجتمع الدولي، الذي قادته سريعاً القوى الغربية، تحوّل من دور الحماية إلى دور الوصاية على البلد«. ويضيف »إن هذا التحول لا يمكن إلا أن يولّد العداء عند مجتمع قرر رفض كل أشكال الوصاية من حكم الديكتاتور إلى القوى الخارجية«. بادي يذكّر بأن »الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا، هي من أدارت منفردة الملف الليبي، وذلك بطريقة ناشطة وسريعة». ويفسر عدد من المحللين بأنّ ما آلت إليه الأمور في ليبيا هو نتاج ضعف السلطة المركزية في طرابلس وعدم قدرة المجلس الانتقالي الليبي على إحكام سيطرته على جميع مناطق البلاد. فالحكومة الانتقالية الليبية لا تمتلك جيشا نظاميا قويا ولا نظاما أمنيا. عودة ليبيا إلى الفيدرالية بالنسبة إلى البعض ستفتح الباب أمام تقسيم البلاد إلى دويلات وهو سيناريو حذّرت منه عديد الأوساط في الداخل والخارج؛ فإن كان المجلس الانتقالي قد اتهم بلدانا عربية بالتحريض على هذا السيناريو، فإنّ عددا من المراقبين لا يسقطون مبدأ عمل أطراف غربية تحركها مصالح النفط في ليبيا على إضعاف وحدة البلاد لضمان تدفق أسرع وأفضل للنفط نحو أوروبا. أروى الكعلي
الفيدرالية كلمة فيديرا مشتقة من اللاتينية وتعني الثقة وكلمة فويدوس تعني الاتحاد، وهو نظام سياسي ضمن طابع دستوري يضمن تقسيم الحكم السياسي بين المستويات السياسية المختلفة (مركزي وإقليمي). وتعود أصول الفيدرالية الحديثة إلى تاريخ تأسيس الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 1787، حيث وقع التوصل إلى اتفاق وسطي ألا وهو تقسيم الحكم وتأسيس الولاياتالمتحدةالأمريكية بتمثيل شعبي وحقوق عامة للمواطنين.