التوافق بدل التصويت.. واحترام الآجال المتعهد بها قبل الانتخابات قال الأستاذ أحمد المستيري إن هناك حاجة ملحة عند كتابة الدستور الجديد للبلاد للتوافق، فهو على حد تعبيره أفضل بكثير من اللجوء إلى التصويت.. وبين في لقاء جمعه صباح أمس بأعضاء لجنة الحقوق والحريات بالمجلس الوطني التأسيسي أن الأهم من كتابة دستور هو كيفية تطبيقه ومن سيطبقه. وأضاف: «انطلاقا من تجربتنا في فهم الدستور نعتقد ان الدساتير حتى وان كتبت بماء العين، وحتى إن كانت قيمتها النظرية كبيرة ومحتوياتها ضافية، فإن العبرة التي استخلصها جيلنا تكمن في كيفية تطبيق هذا الدستور. ومن الذين سيطبقونه». وقدم مثالا عن دستور 1959 الذي كان هو طرفا في إعداده، فقد كتب إثر نقاش جدي مستفيض فيه الرأي والرأي المخالف، لكن تطبيقه كان نكبة على البلاد إذ أن بورقيبة في وقت من الأوقات لم يتصرف تصرف الحاكم المستبد فحسب بل فكر حتى في التوريث.. كما بين أن الظروف المحيطة بتحرير الدستور تؤثر على كتابته، ومقارنة بين دستور 1959 والدستور المزمع تحريره ذكر أن هناك أوجه شبه وهي القطيعة التي تمت مع الماضي والخطوة نحو بناء المستقبل.. فعند إعداد دستور 1959، كانت تونس قد استقلت لكن كانت هناك أوضاع داخلية متوترة وخارجية غير مستقرة إضافة إلى أن الاستعمار مازال قائما. لكن عندما اجتمع المجلس التأسيسي لم يفكر الأعضاء في أي نظام يريدون، بل ركزوا عملهم على المجلس التأسيسي أولا الذي كانت له سلطة كاملة وكان سيد نفسه يفعل ما يشاء ويضبط جدول أعماله والآجال كما يريد، ليس في صياغة الدستور فقط أو في اختيار نوع نظام الحكم الذي يريده، بل في كل شيء إذ كان تجسيما قانونيا واقعيا لمبدإ سيادة الشعب. ولاحظ المستيري ان الإشكال الحقيقي يكمن في التطبيق.. فبورقيبة أخطأ واعترف بذلك وقال «أنا بشر والبشر يخطئ ويصيب» وبالتالي فإن العبرة ليست في نوعية الهياكل أو النظام السياسي والمؤسسات بل في ان تتوفر إرادة سياسية واضحة تقدّمية حداثية تسير في اتجاه نقلة تونس من ماض بغيض الى الديمقراطية التي يطمح إليها الشعب. فالمجلس يمكنه الاستئناس بآراء خبراء لمعرفة أي نظام سياسي مناسب لتونس، لكن هذا لا يكفي لأن المهم ليس نوعية النظام: رئاسي أم برلماني، بل في أن يكون هناك وعي كامل بعدم إعادة تجربة الاستبداد والانفراد بالحكم التي نخرت تونس طويلا. وقال إن الأفضل لتونس إرساء نظام متوازن لا تهيمن فيه سلطة على أخرى ويكون فيه فصل واضح بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية.. فالمهم على حد تعبيره ليس في إصدار دستور مكتوب لأن بريطانيا العظمى ليس لها دستور مكتوب لكنها مثال يحتذى في الديمقراطية نتج عن سلوك اتبعه من وصلوا الحكم. وبين أن التطبيق يجب أن ينطلق بالإسراع في احترام الآجال التي تم الإصداع بها قبل الانتخابات وبعدها، كما يجب أن يتم ذلك من خلال التوافق.. على أن يتم التوافق في جميع مراحل إعداد الدستور فهو أفضل من التصويت.
اقف» لكل من يريد الاستبداد
وأضاف أحمد المستيري: «على أعضاء المجلس التأسيسي التفكير في الشعب أولا.. فالشعب تغير، وتركيبته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية تختلف عما كانت عليه سنة 1956 و1959.. فهذا الشعب لم تعد تخفى عليه خافية، ويجب كتابة دستور يطمئنه يكون بعيدا عن النشاز، فيه تطبيق لأهداف الثورة وفيه ما يراقب الحاكم ويصلحه فالشعب بعد الثورة جدير بنظام ديمقراطي وجدير بآليات تمكنه من قول «قف» لكل من يريد الاستبداد من جديد. وعند كتابة الدستور يجب على حدّ تأكيده الأخذ بعين الاعتبار المحيط الجغرافي لتونس وانتماءها إلى الحضارة العربية الاسلامية وعلاقاتها بمحيطها ومصالحها الاقتصادية مع حوض البحر المتوسط وذلك مهما كان الحاكم الذي سيحكم تونس ومهما كانت سياسته.. وخلال النقاش تساءل أعضاء المجلس التأسيسي عن المواد التي تم اعتمادها لكتابة دستور 1959 ولماذا أدى هذا الدستور الى الاستبداد، وهل ان غياب الديمقراطية هو السبب الأساسي لانزلاق الحاكم نحو الاستبداد، وما هي آليات تفعيل الديمقراطية ودور الاعلام والعدالة في ذلك؟ وهل تم الاعتماد عند كتابة دستور 1959 على دساتير أخرى ام كانت الانطلاقة من ورقة بيضاء؟ ولماذا لم يفعّل النص الوارد في توطئة الدستور المتعلق بالعمل على الوحدة المغاربية؟ وما العمل في صورة عدم التوافق بين الكتل البرلمانية؟ أجاب المستيري: «بكل براءة لم نكن نتصور عند كتابة الدستور أن الأمر سيؤول في عهد بورقيبة الى الاستبداد بالحكم.. ونحن نتحمل المسؤولية تاريخيا لأنه لم يكن بإمكاننا إيقافه، لكن بورقيبة أخطأ وأيضا أصاب، إذ أنه أصاب في العلاقات الخارجية وفي الاصلاحات الاجتماعية». وبين أنه عند اعداد دستور 1959 تم النظر إلى دساتير اخرى وإلى التشريعات الموجودة وقتها في تونس لكن عند الكتابة تم الانطلاق من ورقة بيضاء. وعن السؤال الثالث أجاب أن الديمقراطية وحدها لا تكفي بل يجب أن تصاحبها النزاهة والخبرة، فيمكن ان تأتي الديمقراطية بأناس للسلطة غير قادرين على ارساء الديمقراطية وغير خبراء في تسيير الأمور، كما أن المال السياسي امر سلبي في الديمقراطية وخاصة إذا كان مسيطرا على الاعلام. ودعا المستيري الى احترام حق الاختلاف لان الشعب التونسي متنوع ويوجد في العائلة الواحدة من يصوم ويصلي ومن يشرب الخمر.. فما بالك إذا تعلق الأمر بالاختلافات السياسية كما دعا لإعطاء الجهات المحرومة مكانتها التي تستحق في التنمية. وكرر المستيري عند اجابته عن سؤال حول اعتماد الشريعة في كتابة الدستور أنه «لا إكراه في الدين». وبين ان المحافظة على الفصل الأول من الدستور يمكن ان يكون حولها توافق وبالتالي يمثل ذلك أحسن حل. وعن القانون الانتخابي الذي تم على أساسه انتخاب المجلس الوطني التأسيسي قال: انني لست مع اعتماد القائمات.. لأنني لا أريد أن أصوّت لإنسان لا أعرفه..