كان الإعلام التونسي ما بعد الثورة ودوره في الانتقال الديمقراطي مدار اهتمام الندوة العلمية التي نظمتها إذاعة صفاقس قبل أن تتعرض إلى الاستهداف بتقزيم دورها وتضييق مجال انتشارها الجماهيري بحصر بثها على موجة FM. ولكنها ومنذ تاريخ 12جانفي 2010 الذي دشّن نهاية الدكتاتورية بمسيرة عمّالية فاقت المائة ألف متظاهر بعاصمة الجنوب، حققت مصالحة نسبية ونوعية بإصغائها إلى نبض الشارع وتحقيق مفهوم إذاعة القرب والإصغاء إلى مطالب الثورة والدفاع عن مكاسبها ولا سيما في الفترتين الانتقالية والتأسيسية. هذه الهواجس كانت محاور اهتمام لمحاضرتين حول الاعلام في مفترق الطرق ودور الإعلام في الانتقال الديمقراطي.
المصارحة و المصالحة مع المواطن
مدير إذاعة صفاقس محسن التونسي و في معرض استحضاره أكّد أن إذاعة صفاقس ومنذ انبعاثها في 8 أكتوبر 1961 نجحت في أن تشعّ على كامل الجنوب التونسي وجهات الوسط عبراستقطاب رجالات العلم والثقافة والفكر والمبدعين والفنانين وتحدث التونسي عن المخزون الكبير الذي تحفل به رفوف الفونوتاك من الإنتاج الفكري والدرامي والموسيقي وما تضمنه من أهداف مثلث الرسالة الإعلامية وهي الإعلام والثقافة والترفيه بكل توازن مكّن الإذاعة في حقبات مختلفة من القدرة على توجيه الرأي العام لأهداف تلك المراحل. و ذكّر مدير إذاعة صفاقس بما تم الإتفاق عليه من جملة المبادئ المهنية المتمثلة في الإستقلالية والحياد والشفافية والتعددية تأمينا لتحولها من مؤسسة ناطقة باسم الحكومة إلى إذاعة ناطقة باسم الشعب على وقع المسار الثوري .
مراجعة المنظومة القانونية
وتحدث الحبيب بلعيد الرئيس المدير العام للإذاعة التونسية عن أهمية المرفق الإعلامي العمومي في تأمين هذه المرحلة على المستوى الثوري بصفته سلطة رابعة مستقلة عن السلط الثلاث ولا سيما سلطة المال و قوى الضغط الخفية وهو ما يتطلب العمل بحرية واستقلالية تقي من كل الإنزلاقات و تقطع مع نظرية أبواق السلطة التي سادت الحقبة الدكتاتورية واستعرض بلعيد التجارب الإنتقالية الديمقراطية في التعاطي مع المسألة الإعلامية والتي أكد أنها في تونس لا يجب أن تكون وصفة جاهزة بل لا بد من التعويل على التكوين والرسكلة وتغيير الذهنيات مع الإنفتاح على مختلف الكفاءات التي همشها النظام السابق لذلك نحتاج إلى مراجعة المنظومة القانونية والنظام الأساسي والهيكلة التسييرية الإدارية للمؤسسة التي لا تتماشى مع طبيعة المرحلة. بلعيد أكد أن المرحلة تتطلب بالضرورة التفريق العلمي والقانوني والسياسي بين إعلام حكومي أوخاص أوعمومي وهو ما يقتضي توجهات تفاعلية بين الإعلاميين أنفسهم وإدارتهم وبالضرورة الجمهوراتقاء لكل الإنزلاقات.
الإعلاميون وضرورة الوعي
الأستاذ بكلية الآداب بصفاقس عبد الحميد الفهري و في مداخلته المعنونة بالإعلام في مفترق الطرق اعتبرأن الإعلام التونسي يعيش لحظة تاريخية فارقة بفعل التجاذبات المسلطة عليه. والإعلامي بعد الثورة هو ضميرها وحافظ أمانتها لذلك لابد من أن يتحلى بالشفافية والإستقلالية والنزاهة داعيا إلى استخدام مصطلح الإعلام الوطني كبديل عن الإعلام الحكومي والعمومي بصفته جماهيريا وهو ركن الزاوية لصرح الثورة الذي نُشيد ومن ثمة فإن المطلوب مساعدة الإعلاميين على استعادة وعيهم بأنهم يمثلون سلطة رابعة مستقلة عن سائر السلط السياسية والإجتماعية والمهنية وغيرها. الفهري حذّر من مغبة الوقوع فيما اسماه جعيط الإنتشاء بالثورة داعيا إلى اتخاذ تحصينات كافية للتوقي من تركيع الإعلام أو الإنخراط في متاهات السياسة بعد المرحلة التأسيسية من قبل الإعلاميين.
الإعلام و المنظومة الحقوقية
رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بن حسن قدّم خلال الجلسة العلمية الثانية المنعقدة تحت عنوان الإعلام زمن التحول الديمقراطي محاضرة حقوقية موضوعها الإعلام ودوره في الإنتقال الديمقراطي ثمّن فيها قيمة الإعلام كآلية تحررية من المصادرة و التبعية والإنتهاك داعيا في هذا الصدد سائر الاطراف المعنية بالعملية الإعلامية والرسالة الإتصالية إلى الإستفادة من المنظومة الحقوقية الاممية في مختلف مواثيقها ومدوناتها. وإعلاناتها الصادرة عن منظمة الاممالمتحدة مشددا أن رسالة الإعلامي تستوفى بالترويج للمنظومة الحقوقية وتعميم عقلية التعايش والإختلاف والتعدد والتنوع وقيم المواطنة والتعايش السلمي مع ضرورة القطع مع مقولات التخوين والتكفير ونبذ التعصب باعتبارها مداخل تضرب مفهوم الإنتقال الديمقراطي. الصحفي بقناة الجزيرة الحبيب الغريبي طرح إشكالية إصلاح الإعلام من منظور الإعلامي المعايش لخصائص مهنة المتاعب داعيا إلى تغليب الطرح المهني بدل الطروحات السياسية والسياسوية وحذّر الغريبي من إمكانية التعلل بمقولة الخصوصية التونسية في المقاربة الإعلامية الجديدة التي يمكن أن تعيدنا إلى المربّع الأول على أن التجارب تؤكّد أن بناء الإعلام الجديد يتطلب بالضرورة شروطا مهنية ومادية موارد بشرية.