تحدثت "لوموند ديبلوماتيك" في احد أعدادها الصادرة بداية هذه السنة عما أسمته رقابة «في العمق» على الانترنات وهي طريقة تنتهجها الدول البوليسية أو الأنظمة الديكتاتورية للرقابة المنهجية على الاتصالات بفضل تجهيزات تبيعها شركات أمريكيّة أو أوروبيّة تجد في هذه الأنظمة (مثل ليبيا ومصر وتونس) حرفاء عاديين، وتختبر لديهم تقنياتها على نطاقٍ واسع. وبحسب ما تكشفه التسريبات الجديدة من قبل موقع WikiLeaks للعديد من الوثائق الداخلية لتلك الشركات، فتشكّل مراقبة شبكات الاتصالات «صناعة جديدة سريّة تغطّي خمسا وعشرين دولة . كما شدّدت على القيمة المالية الكبيرة لهذه التقنيات وهو ما يكلف مستعمليها من الدول أموالا طائلة.وفي هذا الصدد وبعد سنة على الثورة بات السؤال المطروح حاليا عن جدوى هذه التقنية في تونس ؟ «الأسبوعي» سألت الأطراف المعنية بالمسألة والتي نفت وجود أية رقابة بأي شكل من الأشكال على مختلف التجهيزات و وسائل الاتصال الحديثة. استفادة تحدثت الصحيفة الفرنسية «لوموند ديبلوماتيك « عن اعتماد تونس في عهد بن علي على التنصّت على كل شرائح الشعب. وقد أكدت أنها استفادت من تخفيضات على أنظمة كانت ما تزال تحوي بعض الفجوات في برامجها. في المقابل أكد مصدر مسؤول بوزارة الداخلية ل»الأسبوعي» أنه لا وجود لأية رقابة على الانترنات أو ما شابه ذلك مشددا على أن التوجه الجديد لتونس ما بعد الثورة ولعمل الوزارة يرتكز أساسا على مفهوم جديد للأمن والأمنيين الذين يحترمون القوانين ويسهرون على تطبيقها. وقد قال محدثنا :» لم يعد اليوم بأي حال من الأحوال موضوع التنصّت مطروحا لدينا.» أما الوكالة التونسية للأنترنات فقد عبرت في أكثر من مرة عن سعيها إلى ضمان حياد ها وشفافية التعامل مع مختلف الأطراف الفاعلة في الميدان. كما أن عزمها متواصل في العمل من أجل تطوير الإنترنات في البلاد التونسية، لتحقيق النقلة النوعية في ممارستها لأنشطتها. وقد شدد مصدر بها ل»الأسبوعي» على أنه لا وجود لأية رقابة على رواد ومستعملي الانترنات. تساؤل.. في ظل حديث وزارة الداخلية والوكالة التونسية للانترنات عن التزامهما بتطبيق القانون وعدم ممارستهما لأية رقابة من أي نوع فإن الحديث عما نقلته «لوموند ديبلوماتيك» او «وال ستريت جورنال» الأمريكية حول الموضوع فإن ذلك يفتقد لمعلومات أو لتحليل بالأدلة عن تونس بعد سنة من الثورة وحول محافظتهما على دورهما في عهد المخلوع. (رقابةٍ على الإنترنات وانتشال أسماء الدخول وكلمات السرّ الخاصة بالمواطنين بصورةٍ اعتباطية، وذلك للاطّلاع على رسائلهم الإلكترونية أو الصفحات الخاصّة بهم على الشبكات الاجتماعية فايسبوك وتويتر) أو العكس . تقنية متطورة تحدت الصحيفة الفرنسية عن التقنية المتطورة المتبعة حيث قالت :» التقنيات المُستخدمة تحمل اسماً لطيفاً » Deep Packet Inspection « DPI («تفتيش الصناديق في العمق»). فعندما يتمّ إرسال رسالة إلكترونية، تتناوب عشرات الآلات لإيصالها إلى المتلقّي النهائي؛ وتكتفي هذه الآلات بحفظ عنوان المرسل إليه، دون المحتوى، الذي ترسله مباشرةً إلى الآلة المجاورة لها؛ ومن آلةٍ إلى أخرى تصل الرسالة إلى غايتها. وكما يشرح جواناثان زيتراين، المتخصّص في قوانين الإنترنات، «الأمر شبيهٌ بما يحدث خلال سهرةٍ بين أشخاص مهذّبين.» مراقبة و تسمح DPI بممارسة مراقبة أو إدارة تدفّق المعلومات، أو تقديم «حزمة» عريضة لبعض الخدمات (مثلاً :الخدمات التي ينتجها مشغّل الشبكة...) دون غيرها. ما يتعارض مع مفهوم «حيادية الشبكة»، الذي يؤكّد على أنّ دور مزوّد الخدمة إلى الإنترنت يقضي بنقل كافّة المعطيات المطلوبة دون تمييز. DPI هي التي تسمح بممارسة مراقبة أو إدارة تدفّق المعلومات، أو تقديم «حزمة» عريضة لبعض الخدمات (مثلاً الخدمات التي ينتجها مشغّل الشبكة...) دون غيرها. ما يتعارض مع مفهوم «حيادية الشبكة»، الذي يؤكّد على أنّ دور مزوّد الخدمة إلى الإنترنات يقضي بنقل كافّة المعطيات المطلوبة دون تمييز. وتشدد لوموند ديبوماتيك على أن من يريد معرفة المزيد الاطّلاع على صفحة «خصوصيّة المعطيات Data Privacy» لموقع GFK، وهي مجموعة دولية للبحوث في مجال التسويق، تساهم في شركة Qosmos: فإن كانت تذكر عرضياً «الكوكيز» في متصفّحات الإنترنات، إلاّ أنها لا تصرّح علانيةً عن استخدامها أيضاً لتقنية DPI، بغية «تقفّي أثر» زوّار مواقع الإنترنات، مع وصفة لجعل المعلومات سريّة وغير شخصيّة هي الوحيدة التي تعرفها. ومجموعة GKF متواجدة في أكثر من مئة وخمسين دولة، ولا تقتصر فقط على الأنظمة الديموقراطية الكبرى... موقف أوروربي عبّر البرلمان الأوروبي عن قلقه إزاء الوجود الكثيف للشركات الأوروبية في هذا النوع من الأسواق (أي صنع الأجهزة التي تخول للأنظمة التنصّت على مواطنيها)، وهو ما دفعه إلى اعتماد قرارٍ خصّص لمنع بيع أنظمة مراقبة الاتّصالات الهاتفية والرسائل القصيرة إلى الخارج، أو تلك التي تؤمّن مراقبة محدّدة الأهداف للإنترنات، في حال استخدامها بشكلٍ يعارض المبادئ الديمقراطية، وينتهك حقوق الإنسان أو حرية التعبير. هكذا منع مجلس الاتّحاد الأوروبي ، في الأول من ديسمبر 2011، وفي سياق تشديد العقوبات على النظام السوري «عمليات تصدير التجهيزات والبرامج الإلكترونية المخصّصة لمراقبة الإنترنات والاتّصالات الهاتفيّة».إلاّ أنّ تصدير المنتوجات المخصّصة للتنصّت على العامّة لا يزال غير مؤطّر بشكلٍ جيد على الصعيد القانوني. إن موضوع تنصت الأنظمة الحاكمة على شعوبها ? وحسب العديد من الباحثين في هذا المجال ? يبقى قائما مهما تغيرت الظروف لأن غياب إطار قانوني أو احترام لقوانين تضمن سرية المعلومة الشخصية يفسح المجال لأي تجاوز من أي طرف . ولعل الطريق التي انتهجتها بلادنا قد تجعل الجميع أمام ضرورة التزام ما تدعو إليه لبناء دولة ديمقراطية . جمال الفرشيشي
أمام التصريحات المتكرّرة حول التنصت على الهواتف: إدانة جماعيّة.. والداخليّة تدعو المعنيّين إلى رفع شكوى في الغرض أثار عدد من الناشطين الحقوقيّين والسياسيّين مجدّدا مسألة المراقبة والتنصت على الهواتف، مما أثار تخوّف البعض من «إعادة» ترسيخ أسس الديكتاتوريّة في تونس «ما بعد الثورة»، «الأسبوعي» استعرضت أهمّ هذه التصريحات، واتصلّت بعدد من الشخصيّات لرصد مواقفها من هذه المسألة، خصوصا أنّ البعض دعا إلى وجوب إدراج نصّ في الدستور ينظّم مسألة التنصت. وفي ظلّ استغراب البعض من عدم ردّ وزارة الداخلية على هذه الاتهامات، اتصلّت «الأسبوعي» بخالد طروش الناطق الرسمي باسم وزارة الداخليّة للحصول على توضيحات. أكد حمّة الهمامي الناطق باسم حزب العمال الشيوعي ل»الأسبوعي» أنّه لا يزال إلى اليوم محلّ تنصت ومراقبة شخصيّة مستنكرا مواصلة وزارة الداخليّة التنصت على هواتف بعض النشطاء السياسيّين لما في ذلك من تعدّ على حريّاتهم الشخصيّة. كما أكد الهمامي ملاحظته وجود شخصين يقومان بمتابعته بصفة مستمرّة منذ فترة، قائلا: «حاولت الاتصال بوزير الداخليّة علي لعريض لأذكّره بكونه كان محلّ مراقبة وبكونه يعي جيدا مرارة وجود شخص يلاحقه كظلّه، وللأسف لم أتحصّل عليه». لكنّه استدرك قائلا: «هناك احتمال عدم علم وزير الداخليّة بمواصلة التنصت على الناشطين السياسيّين وذلك يعني أنّه لا يتحكّم في الوزارة». من جهة أخرى، صرّحت الناشطة الحقوقيّة والإعلاميّة نزيهة رجيبة (أمّ زياد) في برنامج التاسعة مساء الذي بثّ يوم 8 مارس الجاري على قناة التونسيّة بكونها مازالت محلّ تنصّت. وردّا على تصريحها، قال سمير ديلو الناطق باسم الحكومة التونسيّة والذي كان حاضرا معها في الحصّة التلفزيّة: «لا يمكنني أن أؤكّد أنّ هاتفك مراقب، كما لا يمكنني أن أنفي أنّه غير مراقب»، لكنّ أمّ زياد تدخلّت قائلة: «أنت قلت لي إنّ هاتفي مراقب»، مما دفع الناطق باسم الحكومة إلى الصمت مبتسما. من جهتها، صرحّت رئيسة مركز تونس للعدالة الانتقاليّة سهام بن سدرين بأنّ هاتفها خاضع للتنصّت، وهو ما أكدته راضية النصراوي رئيسة الجمعيّة التونسيّة لمناهضة التعذيب التي قالت ل»الأسبوعي»: «التنصّت على الهواتف لم ينقطع وهو أمر لا يمكن استغرابه نظرا إلى عدم إصلاح المنظومة الأمنيّة إلى اليوم». إصدار قانون يجرّم التنصّت في هذا الإطار، قالت إيمان الطريقي رئيسة منظمّة حريّة وإنصاف: «ندين أيّ مسّ من حريّة التعبير وسريّة الاتصالات خاصّة إن كان هؤلاء الأطراف المتضرّرون نشطاء حقوقيّين وليس لهم أيّة سوابق أو ملفات إجراميّة». ودعت في هذا الإطار النشطاء الذين صرّحوا بمواصلة التنصّت على هواتفهم إلى تقديم شكوى في الغرض بهدف كشف الحقيقة والتثبت إن كان التنصت عملا فرديّا أو بأمر من وزير الداخليّة داعية إلى محاكمة الجناة إن ثبتت إدانتهم مهما كانت صفتهم. في هذا الصدد، قال حمّة الهمامي: «لقد فكّرت في تقديم شكوى، لكنّ عدم ثقتي في القضاء التونسي حالت دون فعل ذلك». ودعا الناطق باسم حزب العمال الشيوعي المجلس التأسيسي إلى وجوب الضغط على وزارة الداخليّة بهدف فتح ملف التنصّت زمن المخلوع وتقديم معطيات حول الشخصيات التي كانت تخضع للتنصّت. كما طالب بالتعجيل في إصدار قانون يجرّم التنصّت ويضبط آلياته القانونيّة، قائلا: «لا يجب انتظار وضع الدستور، فللمجلس حقّ وضع قوانين استثنائيّة، وإن لم يتمّ ذلك، فلا بدّ من الضغط على المجلس لأنّ هناك أطرافا لا تزال تستفيد من الفراغ القانوني، وسيصبح بذلك معظم التونسيّين عرضة للتنصّت». التنصّت «مشروع» قال أحمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلاليّة القضاء: «المجلّة الجزائيّة تنصّ على أنّ الإذن بالتنصّت يتمّ بمقتضى أمر من النيابة العموميّة أو من قاضي التحقيق». وفي صورة عدم احترام هذا الجانب القانوني، قال محدّثنا: «يمكن للمتضرّر أن يقاضي الدولة أمام المحكمة الإداريّة باعتبار أنّ الدولة تسيّر وزارة الداخليّة وجميع المرافق العموميّة». وحول التعويض للأشخاص المتضرّرين من عمليّة التنصّت، أشار إلى عدم وجود نصّ قانوني يضبط ذلك مؤكّدا وجوب الاستناد إلى فقه القضاء». وفي ما يتعلّق باقتراح الهمامي حول وضع قانون ينظّم مسألة التنصّت، قال الرحموني: «لا يحتاج التنصّت إلى تشريع خاصّ، فالنصوص الحالية تحمي المواطن، وإن وجدت تجاوزات فعلى الدولة تحمّل مسؤولياتها». وعن دسترة التنصّت، قالت بلقيس مشري النائبة الأولى لرئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ل»الأسبوعي»: «لا يمكن وضع الجزئيّات في الدستور، يجب أن نعمل على بناء الدولة المدنيّة، فذلك يكرّس احترام حريّات الأفراد ويضمن حقوقهم بما في ذلك سريّة الاتصالات». وأمام هذه التصريحات، قال خالد طروش الناطق باسم وزارة الداخليّة: «ليس لنا ما يثبت أنّ التنصّت مازال مستمرا، فقد وقع التخلي عن التنصّت منذ حلّ البوليس السياسي». ودعا في هذا الإطار كلّ شخص يدّعي أنّه محلّ تنصّت أن يرفع أمره إلى القضاء، قائلا: «على من يصرّح بهذه الاتهامات أن يساعدنا بتقديم شكوى، ومن جهتنا سنقوم بالواجب، فنحن نعمل اليوم على إصلاح المنظومة الأمنيّة وتكريس أسس احترام القانون». وأمام اتفاق الجميع على أنّ التنصّت تصرّف مشين مخالف لحقوق الإنسان، نأمل أن يتمّ كشف الحقيقة ووضع القانون فوق الجميع حتى يطمئنّ التونسيّون، وبالأخصّ الحقوقيّون والنشطاء السياسيّون والصحفيّون، وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى الدعوى القضائيّة التي رفعتها صحيفة لوموند المستقلة العام الماضى والتي اتهمت فيها مكتب الرئيس نيكولا ساركوزى بكونه طلب من الاستخبارات الداخلية الفرنسية أن تحدد مصدر أحد الصحفيين. وهو ما أكده أحمد الرحموني الذي اعتبر في ذلك التصرّف مسّا من حياديّة الصحفي والتجسّس على مصادره، قائلا: «يجب تطبيق القانون حتى لا نصبح عرضة للتنصّت». خولة السليتي