احتفلت العاصمة مساء الجمعة 31 مارس بالمسرح البلدي بمائوية علي الرياحي في جزئها الثاني بعد أن دشن وزير الثقافة صباح أول أمس بمركز الموسيقى العربية والمتوسطية النجمة الزهراء بسيدي بوسعيد المعرض الذي عرّف بالصور والكتب والمقالات الصحفية والتسجيلات الغنائية بمسيرة الرياحي وإضافاته إلى الفن التونسي وواكب الندوة العلمية التي تناولت جوانب عديدة من حياة مطرب الخضراء علي الرياحي وحضرها عدد من الموسيقيين والمثقفين والمعنيين بالشأن الغنائي بتونس. في مستهل هذا الحفل تفاجأ الجمهور بالطريقة التي قدّمت بها إحدى منشطات التلفزة الوطنية المائوية، وبمحتوى الورقة التي كان من المفروض أن تقرأ على الجمهور الحاضر على مدى فقرات الحفل، وان تقدم من خلالها المعلومة المفيدة عن علي الرياحي ومسيرته الفنية مع تلخيص ولو مقتضب لما تمّ استخلاصه من الندوة العلمية التي خصصت له، ولكن للأسف تمّ الاكتفاء بمخاطبة الحاضرين وكان من بينهم وزير الثقافة، ورئيس النيابة الخصوصية لبلدية تونس بما يلي: مرحبا بكم جميعا في رحاب هذا المعلم التاريخي الجميل. هذا المعلم الذي شهد منذ أكثر من أربعين سنة خلت، وعلى هذه الخشبة بالذات رحيل أحد رموز الموسيقى التونسية في القرن العشرين «الفنان مطرب الخضراء علي الرياحي. واعترافا بقيمة هذا الفنان المبدع تحتفي وزارة الثقافة بمرور مائة سنة على ميلاده من خلال تظاهرة لحن الذكرى التي انطلقت صبيحة اليوم بالنجمة الزهراء، وتتواصل الآن بعرض موسيقي يتضمن البرنامج التالي». ثم تلت المنشطة عناوين الأغاني وأسماء المغنين الذين سيؤدونها مرة واحدة وغادرت دون رجعة ومثلما قدّمت هي علي الرياحي باقتضاب شديد تعاقب المغنون الواحد تلو الآخر بسرعة البرق على الركح، كلّ يؤدي أغنية دون تقديم أو ربط أو تكريم لعلي الرياحي بذكر مناقبه وإضافاته لجمهور أحبّ مطرب الخضراء وغصّ به المسرح البلدي بالعاصمة، وكان يمكن ان يكون أكبر من ذلك بكثير لو ان التظاهرة لم تكن بالدعوات فقط وفتحت أمام الجمهور العريض.
الجمهور يتأثر ويتفاعل
اِنتشى الجمهور وتأثر وتفاعل مع الأغاني وقد كان أغلبه من شريحة عمرية عرفت علي الرياحي واستعذبت كلمات وألحان أغانيه، وممن كانت لهم معها جميل الذكريات حيث أن علي الرياحي كان يغني للشباب ويجدّد الأغنية التونسية ويطوّرها ويدخل عليها الأنغام الجديدة ويمزج الشرقي بالتونسي الأصيل، هذا المزج الذي كان لا يروق لبعض من كانوا يصرّون على المحافظة على نقاء الأنغام التونسية ويرفضون التجديد وخاصة ما كان يضيفه علي الرياحي مما كان يعسر هضمه و»تنويطه» ودمجه مع بعضه البعض، حتى أن بعض المتمكنين من الموسيقى كانوا يعتبرون اأنه كملحن «يهز وينفض» ولا يجدد وقد أثبتت الأيام ان هذا «الهزان والنفضان» يروق للشعب التونسي، وأنه باق، وتخلدت به ذكرى علي الرياحي. تكريم علي الرياحي ليلتها كان فقط بأن غنى نور الدين الباجي «يا بوسعيد» وأنيس اللطيف «شكيت» وأسماء بن احمد «عايش من غير أمل في حبك» -التي يحلو لشباب الفايسبوك أن يغنوها ويتبادلوها مترجمة إلى اللغة الأنقليزية- وعدنان الشواشي «ما حبيتش» ورحاب الصغير التي أبدعت وهي تؤدي «علموك» والحقيقة ان مثل ذاك الإبداع والتميّز في الأداء والحضور الركحي الجميل والهادئ لم يكن بالغريب عنها ولا عن المطربة شهرزاد هلال التي أضاءت بحضورها واحترامها لجمهورها كلما أطلت عليه بأدائها المميز ظلمة المسرح الذي لا أعرف لماذا يصرّون على إطفاء أنواره في الحفلات الحيّة.
محرزية الطويل تتألق كالعادة
الكوكبة الثانية من المغنين غنت «يا مسافرة « محمد دحلاب و»زهر البنفسج» مروى قريعة و»لا شفتك مرّة ولا ريتك» سفيان الزادي و»فيهشي فايدة» رؤوف بن عمر. وقد كانت أغنية «ياللّي ظالمني» فرصة ليتعرف بعض الجمهور ويتأكد البعض الآخر من القدرات الصوتية الغريبة التي تتمتع بها الفنانة محرزية الطويل التي سبق ل»الصباح» ان كتبت عنها وعن أدائها المتميز وموهبتها وصوتها الذي صقل في الرشيدية إذ آمن بها زياد غرسة وجعل لها فقرة خاصة في اغلب حفلاتها الشهرية. محزرية الطويل غنت «ياللّّي ظالمنى» بإحساس نفذ إلى الجمهور فألهب أكفه بالتصفيق حتى أرجعها إلى الركح مصرا على أن تعيد الأغنية. طبعا لقائل ان يقول انه كان من الصعب على أي مغن ان يعتلي الركح بعد محرزية الطويل، ولكن المطرب حسن الدهماني فند هذا الرأي وصدح بصوت جميل وإحساس مرهف ليس بغريب لا عنه ولا عن متتبعي مسيرته وغنى يا «ياشاغلة بالي» وقد جمع بينها وبين إحدى أجمل أغانيه ومواويله وزاد الحفلة قيمة فنية وبين هو أيضا انه لنا في تونس منجم للأصوات الجميلة القادرة على أداء أصعب الألحان وعلى الإقناع. وانتهى الاحتفاء بعلي الرياحي والأمل يحدو الجميع بان يتواصل في التلفزات والإذاعات التونسية والمهرجانات داخل الجمهورية لأن الرياحي لم يكن مطرب العاصمة وحدها وإنما لديه جمهور في كل تونس والكل يطمع في أن يساهم في مائويته بعمل ما وان يحفظ مسيرته ويجرب المدرسة الفنية التي أرسى قواعدها. ملاحظة: بعد أن انتهى الحفل قدّم صلاح مصباح أغنيتين من أجمل ما تغنى به على الرياحي هما «التنهيدة» و»عين من عيني» ولكن على طريقة «البلاي باك» التي لم يتعوّدها جمهور المسرح البلدي بالعاصمة فخرج متمنيا لو ان صلاح أجّل فقرته الى حفل آخر حتى يكون جاهزا ليكرم علي الرياحي بما يستحق.