بقلم: الدكتور إبراهيم قويدر تعودتم مني دائمًا الحديث بوضوح وصراحة ومصداقية؛ لأني مؤمن إيمانًا كاملاً بأن وحدة التراب الليبى لا يمكن حتى التفكير بالمساس بها من ناحية، ومن ناحية أخرى بأن اللحمة الاجتماعية الليبية متماسكة إلى أبعد حد، شرق مع غرب، شمال مع جنوب، وهذا شيء واقعي تؤكده الجغرافيا ويسطره التاريخ الليبي القديم والحديث. ومن هذا المنطلق قررت تناول هذا الموضوع بكل الرغبة في إجلاء الأمور وكشف الحقائق وأبدأ مقالي هنا بسؤال مهم لم يطرح فى أي مقال أو حديث إعلامى رغم أنه قد يدور في خلد الكثير من الليبيين والليبيات ألا وهو: لماذا عندما انطلقت الثورة الشعبية العارمة من بنغازي والمدن الشرقية بأكملها، ومن أول يوم في 17 فبراير كان الشعب ينادي تلقائيًّا بوحدة التراب الوطني، بل يؤكدون في مظاهراتهم أن طرابلس عاصمة ليبيا الأبدية؟! وقد يتساءل البعض: لماذا الآن المناداة بالفيدرالية من الشرق مهد الثورة؟! والإجابة عن هذا السؤال تتطلب منى إظهار مجموعة من الحقائق المهمة: الحقيقة الأولى: بعد التحرير مباشرة، وبدون ترتيب منظم انتقلت الإدارة الانتقالية مجلسًا ومكتبًا في ذلك الوقت من بنغازي إلى طرابلس، وتركت المنطقة الشرقية في فوضى عارمة استمرت تبعاتها حتى الآن. الحقيقة الثانية: أن الحكومة الانتقالية منذ تكوينها كان يفترض أن يكون أول أولوياتها تحديد مكونات الحكم المحلي وتعيين مسؤولين عن كل منطقة من المناطق الليبية، وبسرعة مع منحهم الصلاحيات والأموال اللازمة لتسيير الشئون المحلية، حتى وإن حدثت أخطاء في الهيكل أو الأسماء المختارة فإنها تعالج تدريجيًّا؛ وهذا القرار في ذلك الوقت كان مهمًّا ومطلبًا ملحًا. الحقيقة الثالثة: لم تهتم الحكومة بتشكيل لجنة فاعلة سريعة تبحث كل القطاعات والأمور التي يرجع فيها المواطن للإدارات المركزية بطرابلس وإعادة النظر فيها وإعطاء صلاحياتها للمحليات. الحقيقة الرابعة: زيادة مركزية القرار، حتى حوافظ المرتبات فإنها تعدّ من طرابلس لفروع الهيئات والمؤسسات الموجودة في المناطق الأخرى، والشىء المهم الذي رآه المواطن من خلال الإعلام الذي أصبح ينقل كل شيء هو أنه عندما تعلن إدارة من وزارات الحكومة عن شيء فإنه يُطلب من المواطنين تقديم ملفات شخصية أو تعبئة استمارات مثل موضوع المقاتلين من الثوار أو حصر الجرحى والمفقودين وأسر الشهداء، فتبدأ الإجراءات في طرابلس ويشاهدها الناس من كل المناطق، وكان يفترض أن يتم إنهاء الإجراءات في كل منطقة، وتبدأ بداية واحدة. كل هذه الحقائق الموجزة، وغيرها كثير، جعلت المواطن في الشرق والجنوب وحتى في بعض مناطق الغرب يشعر بأن المركزية عادت وبشكل مقيت، وأن ثورته لم تحقق له هدفًا مهمًّا وهو إلغاء بيروقراطية المركزية، ومن هنا بدأ كل فرد وكل تجمُّع يفكر حسب قدرته واجتهاده، وظهرت بل برزت فكرة الفيدرالية التي نقف عندها ونوضح وجهة نظرنا فيها: واسمحوا لي أن أطلق على ما سأتطرق إليه الفيدرالية الليبية التي أراها غير الفيدراليات الأخرى التي تصل في أنحاء العالم إلى 11 شكلاً ونوعًا، كلاًّ منها يختلف عن الآخر سببًا وشكلاً ومضمونًا، فهناك فيدراليات تكونت نتيجة اختلافات عرقية أو دينية، وهناك فيدراليات تبلورت من خلال التاريخ الجغرافي للمناطق، وهناك فيدراليات أخرى فرضتها قوة السلاح والحروب بين الأطراف المتقاتلة في تلك الدول، أو المصالح الاقتصادية بين المناطق، وتمثلها إلى حد كبير الفيدرالية الأمريكية والسويسرية والإماراتية.. وغيرها. ونحن فى ليبيا ببساطة الليبيين ثرنا؛ لكي ننهي إلى الأبد نقطتين هامتين من ضمن أهداف الثورة الكثيرة: الأولى: أنه لا تمييز بعد اليوم بين سكان ليبيا ومناطقهم، ولا تهميش، ولا عقاب جماعي لمنطقة لعدم ولائها لحاكم، بل الولاء لله أولاً والوطن ثانيًا. النقطة الثانية: لا يمكن لأي مواطن بعد الثورة الشعبية العظيمة أن يقبل أن يفرض عليه السفر لطرابلس أو سرت في فترة من الفترات لإنهاء حاجياته بشكل يسخر منه كل من يعرف ألف باء إدارة محلية. وليعلم أصحاب الفكر المركزي، مهما كانت حججهم سواء بالحرص أو أن المنطقة الشرقية غير قادرة على إدارة نفسها، كما قالها أحد مسؤولينا، أو العيب أو التشكيك في قدرات الناس بتلك المناطق- أنه مهما بلغت هذه الحجج، فالرد هنا صارم: زلا.. وألفُ لاس لن يقبل المواطن بعد 17 فبراير بالعودة للمركزية، وإذا كنتم تريدون المحافظة على الوحدة الوطنية فلتطعم الإدارات المهمة من قبل الإدارة المركزية الحالية، وينقل الخبراء إلى المناطق للعمل في الإدارات المحلية، ونعمل على تكوين الجيل القادم ليكون قادرًا على إدارة منطقته بجدارة واقتدار. إن الفيدرالية الليبية، الحكم المحلي اللامركزيس التي أراها، هي أن يكون في كل إقليم بليبيا إدارة محلية منتخبة من مجلس له صلاحيات جزئية تشريعية داخل منطقته، ورئيس مجلس أو محافظ منتخب، وداخل كل إقليم عمداء بلديات ومجالس بلدية منتخبين، تنظم صلتهم الإدارية بالإقليم، أما تقسيم الأقاليم فلا يخضع للأهواء الجهوية، كتشكيل حكومتنا الانتقالية، لأن هناك معايير علمية وعوامل أساسية مثل السكان والمقومات الاقتصادية والاجتماعية والتاريخ الجغرافي- يمكن أن يتم الاستعانة فيها بخبراء أعلم قدراتهم بالأمم المتحدة مع مجموعة من خبرائنا المحليين، وما يصلون إليه من تحديد لهذه الأقاليم يتم تنفيذه بقرار يصدر بشكل قانون من البرلمان المنتخب، وعلينا هنا أن نؤكد ذلك في الدستور ونعمل في الفترة الانتقالية على البدء فيه بقرار حسب المحافظات العشر السابقة، ويتم النظر فيها فيما بعد حسب نتائج دراسات الأقاليم. أما الحكومة السيادية، فستكون فيها وزارت سيادية ووزارات أخرى يكون دورها فنيًّا تنسيقيًّا، فحكومتنا التي ننشدها حكومة تخطط للمخططات الاستراتيجية لليبيا كلها، بتنسيق كامل، وتنفيذ كامل في كافة الأقاليم. هذا هو الأمر، وأتمنى ممن له رأي أو استفسار أو حوار أن يضيف لمقالي هذا ويثريه؛ لأني على يقين بأن القراء لهم آراء وطنية تفوق ما أشعر به تجاه وطني الحبيب ليبيا الحرة. وما حدث من تجاوزات في بيانات البعض ممن يدعون إلى الفيدراليه وكثير منهم لا يفهمها ولا يدرك أن أسسها وقواعدها لا تنطبق علينا ورغم أن الناس معظم الناس رفضت الفكرة لأنها ارتبطت بالانفصال والتقسيم من ناحية ومن ناحية أخرى أن البعض ممن تبنوها بقوة يتخوف الليبيون من ماضيهم مع النظام القذافى...لذلك الأمر يحتاج منا إلى اتخاذ الخطوات التي تؤدى إلى تحقيق رغبات الناس دون المساس بوحدتنا الوطنية والإدارية