من أسبوع الى آخر يتسع مدى الفراغ الذي تقع فيه رئاسة الجمهورية في لبنان، وكذلك تتسع الهوة بين الأكثرية والمعارضة التي ينكب كثيرون من الداخل والخارج على حفرها وتعميقها فمنصب الرئاسة في لبنان اصبح في موقع «الرهينة» ومشكلاته معقدة، وأطرافه السياسية تعاند وتكابر وترفض بعضها أو كلها تبادل التنازلات من أجل الخروج من المأزق المفتوح على مخاطر غير محدودة ستطالهم جميعا بالمصلحة كما بالمنطق، قبل العاصفة الأخوية وبعدها. لقد اتت المبادرة العربية للمساهمة في حل الأزمة خاصة وان العرب لم يكونوا بعيدين عن التفاصيل الصغيرة شأنهم شأن اللبنانيين، لطالما كانوا منذ زمن بعيد يتابعون احوال لبنان ويساهمون في التأثير على حياته السياسية. أزمات لبنان كانت ولا تزال منذ نشأته كثيرة، لكنها على الدوام اخذت من التدخلات الخارجية ابعادا استثنائية، فكل القوى والتيارات السياسية في لبنان استظلت ببعد عربي او اقليمي. لقد أتت المبادرة العربية لتجسيد التسوية بدعم موقع الرئاسة بعد أن ضمنوا لها ترجيح القرار وجعلوا لها حصة ضمن تشكيلة الحكومة بحيث يجري ملء هذه المقاعد من منظور التوازن الاقليمي والدولي لا من منظور التوازنات الداخلية، فالمبادرة العربية لا تهدف الى تعزيز دور الرئاسة الاولى في النظام السياسي وتعيد لها الصلاحيات التي خسرتها في الطائف، ولا طبعا تصحيح التمثيل المسيحي موضوع الشكوى من التهميش بل ذهبت الى تحوير التمثيل السياسي ونقله من مكان الى آخر لايجاد صيغة استنسابية تفرض الحل في حال الخلاف داخل التشكيلة الحكومية. فهل حقيقة ان المبادرة العربية التي انبثقت عن اجتماع وزراء الخارجية العرب تستطيع اختزال ازمة الرئاسة والحكومة في لبنان؟! وهل مازال الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى يملك من الوقت ما يكفي لتجسيد حل المبادرة العربية بين الفرقاء اللبنانيين واخماد نار الفتنة التي بدأت تتأجّج أكثر فأكثر مع مرور الوقت حتى اضحت بمثابة «شر مستطير» تلوح نذره في الأفق، ويكاد المستفيدون منه أن يكشفوا انفسهم بالتحريض اليومي المفتوح. ان اللبنانيين باختلاف طوائفهم واتجاهاتهم السياسية، مازالوا يأملون ان تجنبهم المبادرة العربية الفتنة التي تبدو في بعض اللحظات وكأنها «مصلحة حيوية» لبعض اعداء العرب ولبنان، وأولهم اسرائيل ومن أيدها وساندها في الماضي والحاضر ضد العرب واللبنانيين جميعا، بعد أن أصبح الوضع السياسي في لبنان يتجاذبه مشروعان اقليميان بين مساند للمقاومة باعتبارها حقا مشروعا واصطفاف وراء مشروع امريكي يسعى لتغيير خارطة المنطقة وما الأحداث المتسارعة التي تعصف بلبنان وآخرها التفجير الذي استهدف الموكب الامريكي في بيروت أمس الا دليل على ان لبنان قد تحول فعلا الى مسرح لتصفية الحسابات على حساب لبنان وأمنه واستقراره.... كما أن مؤتمر «انابوليس» شاهد بوقائعه، ثم بتداعياته على الأرض المصبوغة بالدم الفلسطيني. إن آفاق التسوية في لبنان مازالت تراوح مكانها في الأفق المنظور، بل ان الملموس هو مزيد من التصعيد الكلامي والاعلامي والسياسي بين الموالاة والمعارضة. لقد حان الوقت لدى الساسة اللبنانيين طالما أن هناك حوارا ان يدركوا ان التهديد والوعيد لن يحقق لهم شيئا، انما ينعكس سلبا على الأمن والاستقرار، لتتمثل الخسارة بمزيد من الهجرة لابنائهم ومزيد من الكساد لاقتصادهم وكثير من الأخطار التي تهدد وطنهم، بعد أن اصبحت الظروف الدولية والاقليمية مختلفة عن ظروف الحرب اللبنانية في بداية السبعينات وانه ليس من المؤكد ان احراق لبنان سيجلب «المكاسب» السياسية.. ان التنازلات السياسية عبر الحوار هي الوسيلة المثلى لتقريب وجهات النظر بين الموالاة والمعارضة من أجل مصلحة لبنان الذي كان ولايزال منبعا للديموقراطية في ظل التوازنات الطائفية والتعايش الانساني الرفيع وبالتالي فعلى اللبنانيين ان يتفاعلوا مع المبادرة العربية حتى يتفادوا كل ما يهدد السلم في بلادهم وحتى لا يتحول لبنان الى مصدر للقلق والفوضى حتى في المنطقة.