للمرة الثامنة على التوالي يزور الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بيروت في محاولة قد تكون الأخيرة لتفعيل المبادرة العربية بين الفرقاء اللبنانيين قوى 14 آذار والمعارضة بعد أن بدا لبنان في الذكرى الثالثة لرحيل رفيق الحريري التي تزامنت مع اغتيال أحد كوادر تنظيم «حزب الله» في سوريا على شفا حرب أهلية بعد حالة التشنج التي شهدتها شوارع العاصمة وساحاتها في كل من بيروت والضاحية الجنوبية معقل تنظيم «حزب الله» حيث التهبت المشاعر وزادت في تأجيجها الخطابات السياسية النارية التي بدورها كرست الانقسام ليتحول السجال السياسي بين الموالاة والمعارضة الى حالة احتقان لدى الجمهور الذي عبر عن مشاعره باضطرابات أمنية تصاعدت وتيرتها. فحتى نقطة اللقاء الوحيدة في ظل المبادرة العربية باعتبارها المنفذ الوسط للحل، والتي توافقت الاطراف على قبولها في انتظار مزيد من الجهود لتذليل باقي العقبات اصبحت تراوح مكانها. ولكن عندما تصل الأمور الى نقطة فاصلة يتوقف عندها الجميع ويبدأ الحديث عن الطلاق السياسي أو بلغة اخرى الانتقال من الوطن الموحد الى ممالك الطوائف يصبح بذلك لبنان في مهب الريح التي قد تعصف به في أية لحظة وتصبح المبادرة العربية غير ذات جدوى طالما أنها لم تستطع اختراق الممانعة لكلا الفريقين بعد أن تعالت اصوات اللوم بينهما، فكل واحد يتهم الاخر بتعطيل الصيغة الوفاقية العربية الا أن ذلك لا ينفي أن الجهد العربي الممثل في بعض الدول ذات النفوذ في لبنان هو وحده القادر على تحقيق الاختراق ومنع الكارثة والخروج من محاولات الابتزاز السياسي والتعتيم والالتفاف من أجل الوصول الى التوافق على الرئيس العتيد المزكى من العرب ومن الموالاة والمعارضة على حد سواء، لكن المشكلة هذه المرة تنحصر في تشكيلة الحكومة والثلث المعطل والذي يعد محور الأزمة القديمة الجديدة. ففي هذه المرحلة تأتي الولاياتالمتحدة على لسان أحد كبار مسؤوليها لتضرب تلك الجهود وتنسف المبادرة العربية التي لا ترى بلاده معنى ولا ضرورة لها لان الحل جاهز عند أمريكا، وهو حل «ديمقراطي» كمثل الديمقراطية التي زرعتها في العراق فحولته الى جنة فيحاء! ونموذجا قابلا للتصدير إلى باقي المنطقة كما وعدت عندما بدأت مأساة تدمير العراق!! الحل الأمريكي وهو ان تبادر الأكثرية بانتخاب الرئيس اللبناني بنصاب النصف + 1 وهو ما يعني ان المبادرة العربية لا معنى ولا قيمة لها ولا تقدم الحل المطلوب وهذا طبعا يؤدي إلى التقسيم الفعلي للبنان الذي اكتوى في اواخر الثمانينات بهذه المعادلة ليصبح لبنانين لكل منهما رئيسه وحكومته وهو الهدف الذي يبدو ان الولاياتالمتحدة تريده منذ بداية الأزمة لتكرر التجربة التي تحرص عليها - ومعها إسرائيل - في الفصل بين غزة والضفة الغربية او بمثل ما كان متداولا ايام الحرب الأهلية بين بيروتشرقيةوبيروت غربية وذلك بالتوسع الجغرافي لكل منهما لتسهيل التعامل مع كل طرف بما يناسب من ناحية. وللمضي قدما في مشروع زرع الفوضى وتقسيم الأقطار العربية كخطوة على طريق المشروع الذي مازال في أساس السياسة الأمريكية نحو المنطقة سواء حمل اسم الشرق الأوسط الكبير أو غيره من الأسماء. ومن هنا تأتي أهمية زيارة أمين الجامعة العربية عمرو موسى الى بيروت باعتبار أنها تحمل تأكيدا ان الفرصة مازالت موجودة للتوافق، وفي نفس الوقت إعلان ضمني برفض الرسالة الأمريكية التي تسعى إلى وأد المبادرة العربية وذلك بالتأثير على بعض رموز الأكثرية لدفعهم لتجييش الرأي العام في محاولة لتخطي المعارضة وانتخاب رئيس بالنصف + 1 والذي يعد مدخلا للحرب الأهلية التي يبدو أنها أصبحت مطلبا أمريكيا اسرائيليا وحتى لدى بعض الأطراف في لبنان لخلط الأوراق مرة أخرى... ولا شك ان هذه المرحلة ترتب مسؤوليات حاسمة على كل الأطراف اللبنانية فالمواقف الدولية والاقليمية أصبحت واضحة وكذلك الأمر بالنسبة للموقف الرسمي العربي، ولكن لا شيء سيتحقق في النهاية للبنان إلا بأيدي اللبنانيين أنفسهم بعيدا عن تشنجات البعض هنا وهناك فالكل يدرك حجم الخطر وما الانجرار وراء قوى اقليمية الا مسعى لاغتيال المبادرة العربية.. ومحاولة لاغتيال لبنان!