بقلم: عبد القادر بن جديرة للتذكير ،بادئ ذي بدء، كان من المفروض حسب ما خططت له الأحزاب والتيارات السياسية والشخصيات السياسية المستقلة أن تنحصر مهام المجلس الوطني التأسيسي في صياغة دستور جديد للبلاد والاقتصار علىب تصريف الأعمال»، وتحديدا الاهتمام بمشاغل من لهم الفضل في طرد الدكتاتور وإحلال اعصر الجماهير»، والتي تتمحور أساسا حول خلق أكبر عدد ممكن من فرص التشغيل ،وليس غلقها ، وتحسين حال البلاد والعباد. لكن االانطلاقة»، منذ البداية، لم تكن في الاتجاه السليم والمسار الصحيح، ذلك أن االتحالف الثلاثي»، الذي يذهب البعض إلى تشبيهه ببالعدوان الثلاثي»، لكن هذه المرة على الثورة وتحديدا على الفئات المحرومة وعلى المرأة، عمل جاهدا على إيجاد التشريعات والآليات التي تمكنه من السيطرة، من بسط اليد على امجاري البلاد»، بحيث تجاوز المجلس التأسيسي، والحكومة المنبثقة عنه ،المشمولات الموكولة لكليهما. حين ينهار الإقتصاد الهش حين يكون النظام لا وطنيا ولا ديمقراطيا لا يسعى البتة لإرساء دعائم اقتصاد قوي قوامه الاستقلالية عن الرأسمال العالمي وعن المؤسسات الدولية الخاضعة للإمبريالية، وتحديدا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ،اللذين يمليان الخيارات السياسية والاقتصادية للبلدان المهيمن عليها وذات الاقتصاد المشوه ،وهي خيارات لا تخدم مطلقا مصلحة الفئات المسحوقة، بل مصلحة الرأسمال والمتمثلة في تحقيق الربح الأقصى بالتكاليف الدنيا. منذ البداية تخلت الحكومات، المتتالية بعد تجرية التعاضد الفاشلة، والتي كان بن صالح على إثرها أول كبش فداء يضحي به بورقيبة للتنصل من المسؤولية، تخلت إذن عن الخاصية الأساسية للبلاد باعتبارها بلدا فلاحيا بدرجة أولى(ا مطمور روماب) ولم تسع في المقابل لبناء صناعة تلبي حاجيات البلاد الأساسية وتمكنها من ا الانطلاقةب الفعلية التي روج لها النظام البورقيبي على مدى عشرات السنين( 31 سنة) بل راهنت تلك الحكومات على اجواد خاسرب: السياحة والرأس مال الأجنبي، وهما خياران يتسمان بالهشاشة ويرتبطان بالوضع الإقتصادي الدولي ويخضعان للظروف الداخلية، إذ يفترضان ما سمي ببالسلم الإجتماعيةب في الحقبة البورقيبية وبالأمن والأمانب في الفترة الزعبعية. وخير دليل على هشاشة كل من القطاع السياحي والإستثمار الأجنبي في الصناعة والفلاحة التصديرية ما آلت إليه أمورهما من تدهور وانخرام وتأزم في الفترة التي تلت الثورة. وما زاد الطين بلة هو أداء الحكومة داخليا وخارجيا وعدم قدرتها على اتصريف أمور البلاد»، والتي لا يختلف اثنان على كونها لم ترتق بعد لمستوى تطلعات الجماهير وانتظاراتها المتعددة. ويعزو البعض ذلك لعدم توفر حد أدنى من الوفاق وانفراد االترويكاب بالحكم، من ناحية، وخاصة لغياب برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي واضح المعالم للحزب الحاكم ( النهضة) ،من ناحية أخرى. وفي الواقع لهذا الحزب برنامج واضح لكن غير معلن إنما ضمني. وبإمكان الملاحظ العادي أن يتبين ملامحه وخطوطه العريضة والأهداف التي يسعى لبلوغها. ونحن في ما يلي سوف نسعى لعرضها من خلال رصدنا لبالتحاليل السياسيةب لبرجل الشارع»،وهي تحاليل لا تخلو من الوجاهة إذ ترتكز على امعاينة سلوكيات الحكومةب... السياسة الداخلية : الكيل بمكيالين في ما يتعلق بالسياسة الداخلية يتضح بما لا يدع مجالا للشك أن االترويكاب_ وتحديدا الحزب الحاكم( النهضة)_ لا تعمل على إحلال الديمقراطية الحقيقية والوفاق الوطني بين مختلف مكونات المشهد السياسي، وهي مكونات لا يمكن الإستهانة بوزنها السياسي وقدرتها اللامحدودة على اتحريك الشارعب. وخير دليل على ذلك توصلها إلى تعبئة الجماهير وجعلها أكثر تجذرا وتنظما من أي وقت مضى. ولا أدل على ذلك من تلك المسيرات الحاشدة التي شهدتها البلاد في عديد المناسبات والتي رفعت خلالها شعارات مطالبة ببإسقاط الحكومةب وببالعصيان حتى يسقط الطغيانب. وهذا التجذر وتلك الراديكالية مردها وجود الحكومة في مأزق، في طريق مسدود وعدم تمكنها من الارتقاء إلى مستوى الثورة وعدم القدرة على تحقيق أهدافها التي تختزل في: االشغل والحرية والكرامة الوطنية ا. كما يعزى ا فشل الحكومة»، أو لنقل اتعثرها»، لانحيازها للتيارات الفكرية االهدامة»، المتطرفة دينيا وعقائديا ،إلى حد السعي لنسف كل ما تحقق من مكاسب على مدار السنين والدعوة لإحلال نظام الحكم الفردي وما يعنيه ذلك من ارؤية رجعيةب لمستقبل البلاد وتراجع عن المكسب الرئيسي وهو امدنية الدولةب وحداثتها. ويتمثل االإنحياز التامب لهذه االتيارات الرجعية والظلاميةب في تعامل الحكومة معها باللين والحوار مقابل القمع الوحشي والعنف المسلط على تحركات الأطراف الأخرى والتي ذهبت الحكومة إلى حد اتهامها ببالتآمر مع أطراف أجنبية لإسقاطها ا والوقوف وراء التحركات المختلفة ا المناوئة للحكومةب. ولم يبق إلا أن تتهمها بالوقوف وراء العوامل المناخية السيئة( تهاطل الثلوج- الفيضانات) التي زادت من سخط الفئات المنكوبة. كما أن عديد المؤشرات الأخرى كالتعامل مع قطاع الإعلام والإتصال ببالسعي لبسط النفوذ عليه وتلجيمهب وجعله امكبلا» ،من ناحية، والتغاضي عما يتعرض له العاملون في هذا القطاع من إهانة وتعنيف من قبل اخفافيش الظلامب كما يسميها البعض، من ناحية أخرى، كل ذلك قد أزم العلاقة بين الحكومة والإعلاميين- الاتصاليين وخلق حالة اشد وجذبب أفضت إلى عديد الوقفات الاحتجاجية. وإن دلت ممارسات الحكومة تلك على شيء فإنما تدل على كون هذه الأخيرة تسعى لنسف الهامش من حرية التعبير الذي تحقق إلى حد الساعة والذي ينبغي تدعيمه لكون هذه الحرية تعد الدعامة الأساسية والمحور الرئيسي والضامن للحريات الأخرى. ولكوننا ندعو لتثوير هذا القطاع فنحن نرى أن ذلك ينبغي أن يتم من داخل المنظومة ومن دون إملاءات من خارجها ،وبالكف عن اعتماد مقياس الولاءات،والعدول عن مبدأ االأقربون أولى بالمعروف»، لكون قائمة الأقربون لا تنتهي، إذ االقرابةب أضحت متعددة ومتفرعة بشكل كبير: الأقارب والأنساب وأقارب الأقارب والأجوار و، و، وبالإخوة في الدينب... وتلك ممارسات تزيد في اتساع الهوة بين مواطني البلد الواحد الذين أضحوا يقسمون إلى ا مسلمين وملحدينب وب مؤمنين وكفارب... في زمن غدا فيه من الضروري الفصل بين الدين والسياسة(/الدولة) وفرض حرية المعتقد...