عندما تصر المحكمة الجنائية الدولية على مطالبة السلطات الليبية تسليمها سيف الاسلام القذافي لمحاكمته في لاهاي، وعندما تتواتر تحذيرات المحكمة بان صبرها بدأ ينفد جراء عرقلة السلطات الليبية عملها وجهودها لمحاسبة نجل العقيد وعندما تتجه المحكمة للتلويح بتقديم شكوى رسمية الى الاممالمتحدة لإجبار السلطات الليبية على تسليمها سيف الاسلام القذافي فان الامر لا يمكن ان يكون مجرد حرص من جانب المحكمة على القيام بواجبها في تحقيق العدالة الانسانية... بل الحقيقة انه سيكون من الغباء الاعتقاد أن المحكمة الجنائية الدولية تتحرك من منطلق هاجس انساني أو أخلاقي أو انها ملتزمة بالرسالة المنوطة بعهدتها بتطبيق الشرعية الدولية والانتصار للضعفاء والمستضعفين في مواجهة ظلم واستبداد الطغاة. بل ولا يمكن الا لساذج أو حالم أن يعتقد لحظة أن تحرك المحكمة نابع من احساس بالذنب أو خشية تعرض ابن القذافي للاعتداء على يد سجانيه...فليس سرا أن سجل المحكمة الجنائية الدولية في تحقيق العدالة لم يكن دوما يخضع للمعايير الدولية ولا شك أن في تجاهل المحكمة للدعاوى المتكررة بملاحقة مجرمي الحرب من جنرالات وحكام اسرائيل ومساءلتهم على مختلف الخروقات والانتهاكات المقترفة في حق الفلسطينيين لا يمكن أن تدعو للثقة أو الرهان على المحكمة التي أعلنت قبل أيام عدم أهليتها للنظر في الجرائم الاسرائيلية المقترفة في غزة قبل ثلاث سنوات بدعوى أن الجانب الفلسطيني صاحب الدعوى ليس عضوا كاملا في الاممالمتحدة... ولا شك أن المحاولات المتكررة لهيئة الدفاع في المحكمة الجنائية لاستباق الاحداث والتاكيد على أن قرارات المحكمة ملزمة وأنها تستوجب السعي لجلب سيف الاسلام أمام القضاء الدولي انما تثير في الاذهان أكثر من نقطة استفهام حول أسباب ودوافع هذا الحرص المثير على سلامة سيف الاسلام وضرورة عدم تعرضه للعنف والتعذيب في معتقله السري الذي يقبع فيه منذ القبض عليه قبل أشهر... طبعا الامر لا يتعلق باستباحة الحرمة الجسدية لأسير يمكن اعتباره أسير حرب وهو بلا شك يخضع لاتفاقيات جنيف الخاصة بالاسرى في حالات الحرب والسلم ولا بامتهان انسانيته أو بمصادرة حقه في محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الاسباب والشروط المتعارف عليها... ولكن الحقيقة أن في موقف المحكمة الجنائية الدولية محاط بأكثر من نقطة استفهام وهي التي طالبت قبل فترة بتسليمها سيف الاسلام القذافي لمحاكمته على تهم لا تخلو من الغرابة تتعلق باقدامه على تربية نوع من الخيول والابل دون تراخيص مسبقة، ولا شك أن الليبيين الذين خبروا سيرة من كان يعتقد أنه سيكون يوما خليفة العقيد الموعود على رأس الشعب الليبي قد استغربوا نوعية الاتهامات التي لا يمكن الا أن تثير الاستهزاء والسخرية في النفوس تماما كما هو الحال في عديد المحاكمات الجارية في دول الربيع العربي والتي تبدو أقرب الى العبث منها عن البحث عن تحقيق العدالة المنشودة وانصاف المظلومين... وبعيدا عن السقوط في محاكمة النوايا فان الارجح أن محاكمة سيف الاسلام قد لا تكون بالامر الهين وربما تتعارض مع مصلحة أطراف عديدة داخل وخارج ليبيا ربما لا تريد لهذه المحاكمة أن تكون علنية...و ربما لا تريد من سيف الاسلام القذافي وهو الذي أكثر العارفين بادق أسرار والده أن يكشف للعلن ما لديه من ملفات أو وثائق أو غيرها لا سيما وأنه كان مقربا من أصحاب القرار في عديد العواصمالغربية وكان بيده مفتاح الكثير من العقود النفطية وصفقات التسلح التي تغرق المشهد الليبي وتمتد مخاطرها الى أكثر من منطقة في القارة الافريقية...من هذا المنطلق فان تساؤلات كثيرة عن مصير سيف الاسلام تبقى مرتبطة بما لا يراد لسيف الاسلام كشفه للعالم من ملفات... وفي انتظار انطلاق محاكمة سيف الاسلام،فلا شك أن السلطات الليبية ستكون في مواجهة اختبار ليس محسوما سلفا فلا تزال تلك النهاية المأساوية التي انتهى اليها القذافي على يد الثوار بعد كشف مخبأه بعد سقوط العزيزية تثير الشكوك حول عدالة المحاكمة التي تنتظر سيف القذافي...و السلطات الليبية اليوم مطالبة بكسب الرهان بعد ان أعلنت رفضها القاطع تسليم ابن القذافي الذي يحمل في جرابه الكثير من الجرائم التي ترقى الى درجة جرائم الحرب...