تونس - الصّباح: تعدّ الأغنية الخفيفة إحدى التعبيرات الغنائية التي لها مواصفاتها المخصوصة - لحنا وكلمة -... ولهذه الأغاني أيضا رموزها ونجومها - لا فقط - مشرقا ومغربا بل وأيضا في مختلف الثقافات والحضارات... فالفنان الفرنسي جون كريزستوم دولتو - مثلا - والمعروف باسم «كارلوس» الذي أعلن عن وفاته أمس الأوّل في العاصمة الفرنسية باريس هو أحد أبرز نجوم الأغنية الخفيفة في فرنسا... «فقد برز خلال السبعينات والثمانينات من القرن المنقضي بطابعه الخاص الذي أضفاه على الفن الغنائي الفرنسي...» - كما يقول عنه النقاد -... أما عربيا، فإن حضور الأغنية الخفيفة ورواجها ظل قائما حتى في أوج إزدهار ظهور عمالقة الطرب العربي من أمثال أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وسعاد محمد... فضلا عن أن هؤلاء أنفسهم غنّوا بدورهم الأغنية الخفيفة في مرحلة من مراحل مسيرتهم الفنية (أغنية «غنّي لي شويّة شويّة» لأم كلثوم) - على سبيل الذكر لا الحصر - فقد كان هنالك مطربون كبار نافسوا عمالقة الغناء الطربي بالأغنية الخفيفة ولعل أبرز هؤلاء المطرب فريد الأطرش وكارم محمود وغيرهما. أغنية خفيفة أم شعبية؟ والواقع أن تداخلا حدث في المشرق خاصة بين مفهومي الأغنية الخفيفة والأغنية الشعبية وذلك خاصة بظهور الفنان الشهير أحمد عدوية الذي شكل ظهوره في وقت من الأوقات «ظاهرة» في حدّ ذاتها حيّرت النقّاد والمتابعين ذلك أن رواج أغانيه وارتفاع عدد مبيعات أشرطته أزعج - لا فقط - باقي الفنانين الشعبيين بل حتى عمالقة الطرب العربي من أمثال الفنحان محمد عبد الوهاب الذي لم تعد أشرطة أغانيه المطروحة في السوق قادرة على منافسة أشرطة أغاني أحمد عدوية!!! أما في تونس - وحتى لا نذهب بعيدا ونسترسل أكثر - فإن تاريخ أغنيتنا التونسية يكاد يكون هو تاريخ الأغنية الخفيفة دون غيرها... فالرموز التاريخية لهذه الأغنية هم أولئك الذين أدّوا أكثر ما أدّوا الأغنية الخفيفة بدءا بالفنانة صليحة والجموسي ومرورا بفتحية خيري ووصولا إلى نعمة وعلية وأحمد حمزة ومحمد أحمد والهادي القلال والهادي المقراني وسلاف وقاسم كافي وغيرهم .. قاسم كافي بلا منازع! على أن اللافت - هنا - وعلى الرغم من طول القائمة وقيمة الأسماء التي تتضمّنها من الفنانين التونسيين الذين أدّوا الأغنية الخفيفة فإن اسم الفنان قاسم كافي يبدو - لا فقط - الأبرز وإنما أيضا الأطول نفسا... فهو الوحيد من بينهم جميعا - الذي لا يزال - لا فقط - حاضرا بقوّة بل وأيضا مصرا على ألا يغنّي إلا «الخفيف» من الأغاني... بل وبهذه النوعية من الأغاني لا يزال ينافس أجيالا جديدة وشابة من الفنانين التونسيين. نجاح له مبرراته وما من شك في أن استمرار حضور هذا الفنان على الساحة الغنائية في تونس منذ ما يزيد عن الأربعة عقود بذات النوعية من الأغاني الخفيفة وبنفس درجة النجاح إنما يدلّ - لا فقط - على طبيعة مؤهلاته الفنية التي أهلته ليكون نجم الأغنية التونسية الخفيفة راهنا وانما أيضا على وفائه الفطري لهذه النوعية من الأغاني ولهذا التوجه الفني الأصيل الذي كثيرا ما أثراه بأغان من العتيق ومن التراث أدخل عليها تحويرات موسيقية من اجتهاده مثل أغنية «يانانا» وأغنية «يا صالح»... المؤسف بالمقابل أن بعض الجاهلين بالقيمة الفنية والتاريخية لبعض رموزنا الفنية والابداعية نجدهم يتطاولون على هذه الرموز ومحاولة «تشليكها» لمجرد أنهم أتيحت لهم الفرصة - بالصدفة - ليكونوا قائمين على تقديم برامج تلفزيونية «حوارية» في هذه القناة التلفزيونية الخاصة أو تلك!