في إطار الاحتفال بشهر التراث من 18 أفريل إلى 18 ماي الجاري تحت شعار «تراثنا ثروتنا» انتظم كامل نهار يوم أول أمس (الخميس 3 ماي الجاري) يوما دراسيا بعنوان «من أجل سياسة تراثية جديدة» بدار الكتب الوطنية افتتحه السيد مهدي بن مبروك وزير الثقافة. وقد حضر ثلة من الباحثين والمختصين في مجال التراث للمشاركة في عملية تقييم للوضع العام الذي آل إليه تراثنا، إلى جانب اقتراح بعض الحلول التي من شأنها أن تنهض بمجال التراث وتحرس المعالم الأثرية الهامة بعد أن هُتك العديد منها واندثرت اندثارا كليا. لقاء تخللته أربع جلسات علمية ترأسها مختصون في التراث وجامعيون أصحاب تجارب متنوعة على الصعيد المحلي والعالمي. كما عقب كل جلسة نقاش للوقوف عند الشروط والآليات الكفيلة بأن تنشئ سياسة تراثية جديدة. حماية التراث مسؤولية الجميع وكان وزير الثقافة قد أشار في كلمته إلى ضرورة الاهتمام بالتراث كمكسب وطني يمثل هويتنا بالأساس سواء كان ذلك من الوزارات المعنية بالأمر أو من المجتمع المدني. وهي عملية يرى أنّها ترجع إلى ترسيخ ثقافة توعويّة من كل الجهات قصد حماية مكتسباتنا والقطع مع سياسة الإهمال وغض الطرف عن التجاوزات التي شملت المعالم الأثرية في بلادنا. وقد ضرب وزير الثقافة العديد من الأمثلة التي تعكس مظاهر الانفلات المشجعة على سرقة بعض القطع النادرة دون اتخاذ إجراءات قانونية رادعة على غرار عملية حجز بعض المكاسب الأثرية مؤخرا بمطار المنستير. لهذه الأسباب بين مهدي بن مبروك أن تظاهرة واحدة لا تكفي للخوض في هذه المسألة الهامة ذلك أن اللقاءات ستتكثف بغية التأكيد على أن حماية التراث مسؤولية الجميع. التشريع في مجال التراث التاريخي والأثري وقد تم التركيز خلال الجلسة العلمية الأولى التي ترأستها القاضية نجيبة الزائر واهتمت بالتشريع والتراث على الدور الذي تلعبه مجلة حماية التراث وإن اختلف بعض أعضاء الجلسة وتباينت آراؤهم في مسألة مضمون المجلة ومدى انعكاسه على حماية المعالم الأثرية ذلك أنّ السيد يوسف بن براهيم مثلا في قراءة للمجلة ثمّن الأهداف التي ترمي اليها من خلال تعريفها للمواقع الأثرية والتوعية بأدق المسائل التي تتعلق بالتراث الوطني. إلا أن السيد فاضل بليبش يرى أنّها لا تمثل إلا تراكمات من الآليات القانونية التي لا تتميز بالفاعلية المرغوب فيها، ناهيك أنها -حسب فاضل بليبش (استاذ جامعي)- تطرح إشكالات من حيث الإجراءات الأمر الذي أفضى الى مصاعب عديدة على مستوى الصيانة مثلا رغم أنه وقع تنقيح المجلة سنة2001. كما أوضح أن آلية الترتيب والتصنيف تطرح عدة مشاكل واعتبرها آلية تعتمد مبدأ الحيطة الذي ينص على تطبيق القانون إلا إذا كان المعلم الأثري في خطر. هذا إلى جانب غياب نص للتفويض وإصدار قرار منشور ومكتوب عند نشوب أي خطر يهدد مكانا أثريا. صيانة المخطوطات بالقيروان من جهة أخرى بين السيد لطفي عبد الجواد في نفس السياق أن المخبر الوطني لصيانة وترميم المخطوطات بالقيروان يشكو العديد من المشاكل والنقائص وأن متحف فنون الحضارة الإسلامية برقادة لا يزال يتعرض الى بعض التجاوزات ويشهد الكثير من النقائص التي تشمل صيانة الرقوق والمخطوطات. كما أوضح لطفي عبد الجواد بلوعة وحسرة بالغتين أن المكتبة العتيقة بالقيروان تضمّ حاليا أقدم الرقوق في العالم الإسلامي إضافة الى أنها تتألف من أقدم المصاحف التي تعود الى القرن الثاني للهجرة فضلا عن وعود بيع ونماذج عديدة تمثل ثروة حقيقية للبلاد الى جانب مصحف يقدم مثالا على تغيير الخط الكوفي الى الخط المغربي.. مخطوطات ثمينة ومصاحف يبين عبد الجواد أنها للأسف رغم ندرتها بيعت نظرا لغياب الإحصاءات والتوثيق. أمّا بقية الجلسات العلميّة خلال اليوم الدراسي بدار الكتب الوطنية فقد التقت مضامينها عند أهمية المعرفة والدراسة العلمية في مجال التراث لأنه في غياب مراكز التكوين وأخصائيين أجانب ذوي تجارب متنوعة وثرية في الميدان، لا سبيل للتقدم وخلق استراتيجية جديدة في البحث التراثي. وقد ذكر رئيس الجلسة العلمية الثالثة مدير معهد التراث نموذج التراث الأورو-متوسطي وهو مشروع ثري من حيث الخبرات والتعامل مع شركات أجنبية ذات تكوين مختص في الهندسة المعمارية وهو ما ينقص شركاتنا العمومية والخاصة. غياب المراجع الهامة في الجامعات رئيس قسم التاريخ في كلية العلوم الإنسانية بتونس السيد حسين الجعايدي أبدى استياءه من الإهمال الذي تشهده مكتبات الجامعات من حيث المراجع والمصادر القيمة وهو ما يعيق تقدم الطالب في بحثه ، وهو أمر يقول أنه محير لأنه يتعلق بالتشريع العام ومرتبط بسياسة سلطة الإشراف. وقد اقترح على غرار بعض البلدان الأجنبية اختيار نائب عميد يكون متفرّغا لشؤون طلبة المرحلة الثالثة لأن الأمر يتعلق بمصداقية الشهادات ومسألة التشغيل. كما نبّه حسين الجعايدي لمسألة الإشراف المزدوج من قبل الوزارات الذي لم يتم تحيينه الى الآن. وعن علاقة وسائل الإعلام بالتراث بين السيد سمير المسعودي أنه ليس هناك سياسة إعلامية مهيكلة وواضحة سواء كان ذلك في المؤسسات الإعلامية العمومية أو الخاصة ليغيب الحديث عن التراث لمدة عقود. ثم إن عملية إشهار بعض الأماكن الأثرية عبر الوسائل السمعية البصرية تتطلب عادة أموالا طائلة تدفع للمؤسسات المعنية بالأمر. وقد اقترح سمير المسعودي بث ومضات إعلامية قيمة لا تستغرق الكثير من الوقت مع تحليل جيد للموقع الأثري على غرار ما يبث الى الآن في القنوات التلفزية الأجنبية كي لا يستثقل المشاهد الحصص المقترحة. كما دعا إلى ضرورة إقامة علاقة جديدة تجمع بين الإعلام والتراث.