ما كان يعتبر مستحيلا قبل ثورة 25 يناير بات ممكنا اليوم, المشهد يبدو وكأنه ضرب من الخيال وفيما يقبع مبارك في سجنه في انتظار نتائج المحاكمة الشهر القادم كان المصريون يتابعون أطوار المناظرة الاولى من نوعها بين أبرز مرشحين للانتخابات الرئاسية في تاريخ مصر وفق استطلاعات الرأي. واذا استثنينا ما حدث في موريتانيا سنة 2008 فان الامر يظل سابقة في مجتمعات لم تتعود على المشاركة في السلطة. ولعل المستقبل وحده ونجاح التجربة الديمقراطية الجديدة سيكون كفيلا بالرد ما اذا كان الامر سيتحول الى قاعدة تقطع مع كل الممارسات الاستبدادية في السابق وتكرس لثقافة جديدة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم بعيدا عن السلطة المطلقة التي اعتبرها العلامة ابن خلدون مفسدة مطلقة..على طريقة نيكسون وكينيدي منذ ستينات القرن الماضي كانت المناظرة الاولى من نوعها التي تسجل في دول الربيع العربي والتي تلقفتها مختلف وسائل الاعلام الاجنبية ليس من دون اهتمام بالتدقيق لاستكشاف مواقف المتنافسين لا سيما في ما يتعلق بالقضايا الاكثر حساسية ومنها العلاقات الامريكية والعلاقات مع اسرائيل ومستقبل اتفاقية كامب دايفيد. أربعة وعشرون سؤالا تعيّن على المتنافسين الرد عليها والكشف عما خفي من مواقفهما بشأن العلاقة بين الدين والسياسة والممارسة الديمقراطية والحرية والابداع وقضايا الفقر والبطالة وتردي الاقتصاد وغير ذلك من القضايا التي تؤرق الشارع المصري والتي تاهت بين الاتهامات المتبادلة ومحاولات الشد والجذب بين المتنافسين اللذين كانا من الواضح أنهما يطبقان نصائح مستشاريهما ليبدو الشعار الخفي الذي يحرك كليهما أن أحسن طريق للدفاع هو الهجوم وقد حاول كل على طريقته التقليب في الماضي وتسجيل اكبر عدد ممكن من النقاط ضد الخصم وعلى مدى أكثر من ثلاث ساعات تراوحت في مبارزة بين سجل عمرو موسى وعلاقته بالنظام السابق وبين مواقف ابو الفتوح في البحث عن مصلحة الاخوان بدل المصلحة الوطنية. مناظرة لا فائز فيها ولا خاسر فالصراع سيظل قائما حتى موعد الجولة الاولى من الانتخابات بعد أسبوعين.. ولاشك أن اللقاء الذي وصف بأنه ارتقى الى معايير هيئة المناظرات الامريكية التي تشرف على المناظرات منذ أكثر من خمسين عاما منح الناخب المصري فرصة التنفس بعض الشيء والخروج من دائرة التجاذبات المتواترة على مدى الاشهر الماضية بما أعاد اليه فسحة الامل التي بدأت تضيق في غياب مؤشرات الانفراج في المعركة الحاصلة حول سباق الانتخابات الرئاسية واحتمالات العودة الى تأجيلها, وربما يكون اللقاء قد ساعد كذلك الناخبين المصريين في الخارج الذين بدؤوا على التصويت منذ الامس على تحديد مرشحهم للرئاسة. كثيرون بالتأكيد انتظروا المناظرة التي جمعت أبرز مرشحي سباق الانتخابات الرئاسية المصرية حسب استطلاعات الرأي التي أعلنت تقدم كل من عمرو موسى وزير الخارجية السابق والامين العام للجامعة العربية القيادي السابق في جماعة الاخوان عبد المنعم أبو الفتوح عن بقية المتنافسين الثلاثة عشر الذين يخوضون سباق الرئاسة ليظهرا على قناتين خاصتين. وفي انتظار ما سيؤول اليه المشهد السياسي المصري بعد ذلك فان الاكيد أن الحديث عن المناظرة سيستمر سواء بين المصريين أو حتى غيرهم من الشعوب التي امتلكت على مدى تجربتها الديمقراطية العريقة ثقافة المنافسة والمناظرة أو تلك التي بدأت تخطو أولى خطواتها على طريق الديمقراطية لا سيما وأن لقاء المتنافسين يأتي بعد أيام على المناظرة التي تابع العالم أطوارها والتي كانت حاسمة في اختيار الرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند التي ستفرض المقارنة في الاذهان. ولعل الاهم من المناظرة ذاتها التي جمعت المترشحين يبقى مرتبطا برد فعل الشارع المصري الذي انصرف الى الاهتمام باللقاء الى درجة أن المقاهي اختنقت بالمتفرجين الذين قلما يجتمعون بتلك الاعداد الغفيرة الا في المناسبات الرياضية أو ربما الاحتفالات الفنية, ولعل في ذلك ما يعكس من جهة اهتمام الرأي العام بالحدث ومن جهة اصرار على تجاوز تعقيدات المرحلة الراهنة وتجاوز حالة الاحتقان والسائدة في المشهد السياسي والتي بلغت حد المواجهات الامنية في الفترة الاخيرة أمام تفاقم المطالب الشعبية بنقل السلطة من المجلس العسكري الى سلطة مدنية.